ولمّا بيّن
أنّه الموجد للملك والملكوت ، والمتصرّف فيهما على الإطلاق ، أمر الناس بشكر
إنعامه ، فقال :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ
اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) الظاهرة والباطنة ، الّتي من جملتها أنّه خلقكم وأحياكم
وأقدركم ، وخلق لكم أنواع الملاذّ والمنافع. وليس المراد بذكر النعمة ذكرها
باللسان فقط ، ولكن به وبالاعتراف بها ، وطاعة موليها. ومنه قول الرجل لمن أنعم
عليه : اذكر أيادّي عندك. يريد حفظها وشكرها ، والعمل على موجبها. فالمعنى :
احفظوها بمعرفة حقّها ، والاعتراف بها ، وطاعة معطيها.
والخطاب عامّ
للجميع ، لأنّ جميعهم مغمورون في نعمة الله.
وعن ابن عبّاس
يريد : يا أهل مكّة اذكروا نعمة الله عليكم ، حيث أسكنكم حرمه ، ومتّعكم من جميع
العالم ، والناس يتخطّفون من حولكم. وعنه : نعمة الله : العافية.
ثمّ أنكر أن
يكون لغيره في ذلك مدخل ، فيستحقّ أن يشرك به ، فقال :
(هَلْ مِنْ خالِقٍ
غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) بالمطر (وَالْأَرْضِ) بالنبات ولذلك عقّبه بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فمن أيّ وجه تصرفون عن التوحيد إلى الكفر وإشراك غيره
به؟ يعني به قريش.