ثمّ عاد سبحانه
في تأكيد نبوّة نبيّنا ، بذكر أخذ الميثاق منه كما أخذ من النبيّين ، فقال :
(وَإِذْ أَخَذْنا) مقدّر بـ : اذكر ، أي : اذكر حين أخذنا (مِنَ النَّبِيِّينَ) جميعا (مِيثاقَهُمْ) عهودهم ، بتبليغ الرسالة ، والدعاء إلى الدين القويم (وَمِنْكَ) خصوصا (وَمِنْ نُوحٍ
وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) خصّهم بالذكر ، لأنّهم مشاهير أرباب الشرائع. وقدّم
نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم تعظيما له. وقدّم عليه نوح في قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ
نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)[١] لأنّ مورد هذه الآية على طريقة خلاف تلك ، وذلك أنّ
الله تعالى إنّما أوردها لوصف دين الإسلام بالأصالة والاستقامة. فكأنّه قال : شرع
لكم الدين الأصيل الّذي بعث عليه نوح في العهد القديم ، وبعث عليه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم خاتم النبيّين في العهد الحديث ، وبعث عليه من توسّط
بينهما من الأنبياء المشاهير.
(وَأَخَذْنا مِنْهُمْ
مِيثاقاً غَلِيظاً) عظيم الشأن ، فإنّ الغلظ استعارة من وصف الأجرام.
والمراد عظم الميثاق ، وجلالة شأنه في بابه. وقيل : الميثاق الغليظ اليمين بالله
على الوفاء بما حملوا. وتكرير الميثاق لبيان هذا الوصف.
وإنّما فعلنا
ذلك (لِيَسْئَلَ
الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) عمّا قالوه لقومهم.