(وَلَوْ تَرى إِذِ
الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) من الحياء والخزي والذلّ والندم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : عند ما يتولّى الله حساب خلقه ، وهو يوم القيامة ،
قائلين : (رَبَّنا أَبْصَرْنا) ما وعدتنا (وَسَمِعْنا) منك تصديق رسلك (فَارْجِعْنا) إلى الدنيا (نَعْمَلْ صالِحاً
إِنَّا مُوقِنُونَ) إذ لم يبق لنا شكّ بما شاهدنا ، فلا يغاثون.
وجواب «لو»
محذوف ، تقديره : لرأيت أمرا فظيعا. ويجوز أن تكون «لو» للتمنّي. كأنّه قال :
وليتك ترى. هذا على تقدير كونه خطابا للرسول ، لأنّه تجرّع منهم الغصص ، ومن عداوتهم
وضرارهم ، فجعل الله له تمنّي أن يراهم على تلك الصفة الفظيعة من الخزي ليشمت بهم.
والمضيّ في «لو»
و «إذ» لأنّ الثابت في علم الله بمنزلة الواقع الموجود المقطوع به في تحقّقه. ولا
يقدّر لـ «ترى» مفعول ، لأنّ المعنى : لو يكون منك رؤية في هذا الوقت. أو يقدّر ما
دلّ عليه صلة «إذ» ، و «إذ» ظرف له.
ثمّ قال سبحانه
: (وَلَوْ شِئْنا
لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) ما تهتدي به إلى الحقّ ، على طريق الإلجاء والقسر ، بأن
نفعل بهم أمرا من الأمور يلجئهم إلى الإقرار بالتوحيد.
(وَلكِنْ) بنينا الأمر على الاختيار ، دون الإجبار الّذي ينافي
غرض التكليف ، لأنّ استحقاق الثواب لا يكون إلّا بالاختيار. فاختاروا العمى على
الهدى ، فلأجل ذلك (حَقَّ الْقَوْلُ
مِنِّي) ثبت قضائي ، وسبق وعيدي.
والقول من الله
سبحانه بمنزلة القسم ، فلذلك أتى بجواب القسم ، فقال : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي : من كلا الصنفين الّذين اختاروا الكفر والجحود على
الايمان والطاعة. ألا ترى إلى ما عقّبه به من قوله : (فَذُوقُوا بِما
نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) فجعل ذوق العذاب نتيجة فعلهم ، من نسيان العاقبة ،
وقلّة