الخلود ليدلّ على كمالهم في التنعّم والسرور ، فقال : (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) دائمون. والخلد والخلود في الأصل الثبات المديد دام أو
لم يدم ، ولذلك قيل للأثافي والأحجار : خولد ، وللجزء الّذي يبقى من الإنسان على
حاله ما دام حيّا : خلد ، وهو القلب ، ولو كان وضعه للدوام كان ظاهر [١] التقييد
بالتأبيد في قوله : (خالِدِينَ فِيها
أَبَداً)[٢] لغوا ، لكنّ المراد به هاهنا الدوام والبقاء اللازم
الّذي لا ينقطع ، لما يشهد به الآيات والسنن.
واعلم أنّه
يمكن أن الله تعالى يعيد الأبدان في الآخرة بحيث لا يعنورها الاستحالة ، بأن يجعل
أجزاءها مثلا متقاومة في الكيفيّة متساوية في القوّة ، لا يقوى شيء منها على إحالة
الآخر ، متعانقة متلازمة لا ينفكّ بعضها عن بعض ، كما يشاهد في بعض المعادن.
هذا ، وإنّ
قياس ذلك العالم وأحواله على ما نجده ونشاهده من نقص العقل وضعف البصيرة. فلا يرد
أنّ الأبدان مركّبة من أجزاء متضادّة الكيفيّة ، معرّضة للاستحالة المؤدّية إلى
الانفكاك والانحلال ، فكيف يعقل خلودها في الجنّة؟
[١] في هامش الخطّية
: «قيد الظاهر لاحتمال أن يكون ذكر الأبد بعد الخلود للتأكيد ، ولكن لا يخفى على
من له أدنى مسكة أن التأسيس أصل ، فإنّه مستقلّ المعنى بنفسه ، بخلاف التأكيد ،
فإنه تابع فلا يكون له استقلال المعنى ، كما بيّن في علم المعاني والبيان. منه رحمهالله».