مجموع الأمرين والجمع بين الوصفين ، فإنّ الإيمان الّذي هو عبارة عن
التحقيق والتصديق أسّ ، والعمل الصالح كالبناء عليه. وفيه دليل على أنّه خارج عن
مسمّى الإيمان ، إذ الشيء لا يعطف على نفسه وعلى ما هو داخل فيه.
و «الجنّة»
المرّة من الجنّ ، وهو مصدر جنّة إذا ستره ، ومدار تركيبه على الستر ، سمّي بها
الشجر المظلّل ـ لالتفاف أغصانه ـ للمبالغة ، كأنّه يستر ما تحته ، ثم البستان لما
فيه من الأشجار المتكاثفة المظلّلة ، ثمّ دار الثواب لما فيها من الجنان. وقيل :
سمّيت بذلك لأنّه ستر في الدنيا ما اعدّ فيها من أنواع النعم ، كما قال الله تعالى
: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ
ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)[١].
وجمعها
وتنكيرها لأنّ الجنان على ما ذكره ابن عبّاس سبع : جنّة الفردوس ، وجنّة العدن ،
وجنّة النعيم ، ودار الخلد ، وجنّة المأوى ، ودار السلام ، وعلّيّون. وفي كلّ
واحدة منها مراتب ودرجات متفاوتة على حسب تفاوت الأعمال.
واللام في «لهم»
تدلّ على استحقاقهم إيّاها لأجل الإيمان والعمل الصالح. وهذا لا يكون على الإطلاق
؛ بل بشرط أن يستمرّ على الإيمان حتى يموت وهو مؤمن ، لقوله تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ)[٢] ، وقوله تعالى لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم(لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)[٣] ، وأشباه ذلك. ولعلّه سبحانه لم يقيّد هاهنا استمرار
الإيمان إلى الموت استغناء بالآيات المذكورة.