وما روي عن
علقمة والحسن : أنّ كلّ شيء نزل فيه (يا أَيُّهَا النَّاسُ) مكّيّ و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا) فمدنيّ ، على تقدير صحّته لا يوجب تخصيصه بالكفّار ،
ولا أمرهم بالعبادة حالة الكفر ، فإنّ المأمور به هو المشترك بين بدء العبادة
والزيادة فيها والمواظبة عليها. فالمطلوب من الكفّار هو الشروع فيها بعد الإتيان
بما يجب تقديمه من المعرفة والإقرار بالصانع ، فإنّ من لوازم وجوب الشيء وجوب ما
لا يتمّ إلّا به ، وكما أنّ الحدث لا يمنع وجوب الصلاة فالكفر لا يمنع وجوب
العبادة ، بل يجب رفعه والاشتغال بها عقيبه. ومن المؤمنين [١] ازديادهم
وثباتهم عليها. فلا يرد أن الكفّار لا يعرفون الله ولا يقرّون به فكيف يعبدونه؟
والمؤمنين عابدون ربّهم فكيف أمروا بها؟ وإنّما قال : ربّكم ، تنبيها على أنّ
الموجب للعبادة الربوبيّة.
وقوله : (الَّذِي خَلَقَكُمْ) صفة جرت عليه تعالى للتعظيم والتعليل. ويحتمل أن يكون
صفة موضحة مميّزة إن خصّ الخطاب بالمشركين وأريد بالربّ أعمّ من الربّ الحقيقي
والآلهة الّتي يسمّونها أربابا. والخلق : إيجاد الشيء على تقدير واستواء. وأصله
التقدير ، يقال : خلق النعل ، إذا قدّرها وسوّاها بالمقياس.
وقوله : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) متناول كلّ ما يتقدّم الإنسان بالذّات أو بالزمان ،
منصوب معطوف على الضمير في «خلقكم». والجملة أخرجت مخرج المقرّر عندهم ، إمّا
لاعترافهم به كما قال الله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ)[٢](وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)[٣] ، أو لتمكّنهم من العمل به بأدنى نظر.
(لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ) حال من الضمير في «اعبدوا» كأنّه قال : اعبدوا ربّكم
راجين أن تنخرطوا في سلك المتّقين ، الفائزين بالهدى والفلاح ، المستوجبين
[١] عطف على قوله :
فالمطلوب من الكفّار ، أي : والمطلوب من المؤمنين.