والإيجاز أن يجمل ويوجز ، فكذا الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن
يفصّل ويشبع ، فقال مزيدا [١] للكشف والإيضاح : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ
السَّماءِ) على تقدير مضاف ، أي : مثلهم كمثل ذوي صيّب ، لقوله : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ). و «أو» في الأصل للتساوي في الشكّ ، ثم اتّسع فيها
فأطلقت للتساوي من غير شكّ ، مثل : جالس الحسن أو ابن سيرين ، ومن ذلك قوله : «أو
كصيّب». ومعناه : أن قصّة المنافقين مشبهة بهاتين القصّتين ، وأنّهما سواء في صحّة
التشبيه بهما ، وأنت مخيّر في التمثيل بهما ، أو بأيّتهما شئت.
والصيّب فيعل
من الصوب ، وهو النزول من عال ، يقال للمطر والسحاب ذي الصوب ، والآية تحتملهما.
وتنكيره لأنّه أريد نوع من المطر شديد. وتعريف السماء للدلالة على أنّ الغمام مطبق
آخذ بآفاق السماء كلّها ، فإنّ كلّ أفق منها يسمّى سماء ، كما أنّ كلّ طبقة منها
سماء. ويؤيّده ما في الصيّب من المبالغة من جهة الأصل والبناء والتنكير. وقيل :
المراد بالسماء السحاب ، فاللام لتعريف الماهيّة. والمعنى : مثلهم كمثل قوم أخذهم
المطر النازل من السحاب.
(فِيهِ ظُلُماتٌ
وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) إن أريد بالصيّب المطر. فظلماته ظلمة تكاثفه بتتابع
القطر ، وظلمة غمامه مع ظلمة الليل. وجعل الصيّب مكانا للرعد والبرق لأنّهما في
أعلاه ومنحدره ملتبسين به. وإن أريد به السحاب فظلماته سحمته وتطبيقه مع ظلمة
الليل. وارتفاعها بالظرف وفاقا ، لأنّه معتمد على موصوف.
والرعد صوت
يسمع من السحاب. واشتهر بين علماء المعقول أنّ سببه اضطراب أجرام السحاب واصطكاكها
إذا حدتها الريح. والبرق ما يلمع من السحاب ، من : برق الشيء بريقا. وكلاهما مصدر
في الأصل ، ولذلك لم يجمعا.
وجاءت هذه
الأشياء منكّرة لأنّ المراد أنواع منها ، فكأنّه قيل : في الصيّب