وقوله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) تأكيد لما قبله ، لأنّ المستهزئ بالشيء المستخفّ به
مصرّ على خلافه. ويجوز أن يكون بدلا منه ، لأنّ من حقّر الإسلام فقد عظّم الكفر ،
أو استئنافا ، فكأنّ الشياطين قالوا لهم لمّا قالوا إنّا معكم : إن صحّ ذلك فما
لكم توافقون المؤمنين وتدّعون الإيمان؟ فأجابوا بذلك.
والاستهزاء
السخريّة والاستخفاف ، يقال : هزأت واستهزأت بمعنى ، كأجبت واستجبت. وأصله الخفّة
من الهزء وهو القتل السريع ، يقال : هزأ فلان إذا مات على مكانه ، وناقة تهزأ ، أي
: تسرع وتخفّ.
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ
بِهِمْ) يجازيهم على استهزائهم بإنزال الهوان والحقارة بهم. سمّي
جزاء الاستهزاء باسمه ، كما سمّي جزاء السيّئة سيّئة في قوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)[١] ، إمّا لمقابلة اللفظ باللفظ ، أو لكونه مماثلا له في
القدر ، أو يرجع الله وبال الاستهزاء عليهم ، فيكون كالمستهزئ بهم ، من باب إطلاق
اسم السبب الّذي هو الاستهزاء على المسبّب الّذي هو وبال الاستهزاء. أو يعاملهم
معاملة المستهزئ. أمّا في الدنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم ، واستدراجهم
بالإمهال والزيادة في النعمة على التمادي في الطغيان. وأمّا في الآخرة فبأن يفتح
لهم وهم في النار بابا إلى الجنّة ، فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سدّ عليهم الباب
، وذلك قوله : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)[٢].
وإنّما استؤنف
به ولم يعطف ليدلّ على أنّ الله تعالى تولّى مجازاتهم على أبلغ الوجه بحيث
استهزاؤهم ليس باستهزاء ، ولا يؤبه له في مقابلته ، لما ينزل بهم عن النكال ،
ويحلّ بهم من الهوان والذلّ ، ولم يحوج المؤمنين إلى أن يعارضوهم بذلك.