ونظيره قوله
تعالى : (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ
ذِكْرِي)[١]. ومعلوم انّ الرسل ما أنسوهم ذكر الله على الحقيقة ،
وما بعثوا إلّا للتذكير والتنبيه دون الإنساء. مع أنّ الإنساء ليس من فعلهم فلا
يجوز إضافته إليهم ، ولكنّه إنّما أضيف إليهم لأن دعاءه إيّاهم لمّا كان لا ينجع [٢] فيهم ، ولا
يردّهم عن معاصيهم ، فأضيف الإنساء إليهم.
وعلى هذا
المعنى قوله تعالى حكاية عن نوح : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ
دُعائِي إِلَّا فِراراً)[٣].
ومثله في قول
الشاعر :
أموالنا لذوي
الميراث نجمعها
ودورنا لخراب
الدهر نبنيها
وأيضا مثله :
فللموت تغذوا
الوالدات سخالها
كما لخراب
الدهر تبنى المساكن
وقول الآخر :
أأمّ سماك
فلا تجزعي
فللموت ما
تلد الوالدة
ومثله :
لدوا للموت وابنوا للخراب
ولا يجوز أن
يكون اللام لام الإرادة والغرض كما زعمت الأشاعرة ، لأنّ إرادة القبيح قبيحة ،
والله تعالى منزّه عنها. ولأنّه لو كانت لام الإرادة لوجب أن يكون الكفّار مطيعين
لله سبحانه من حيث فعلوا ما وافق إرادته ، وذلك خلاف الإجماع ، وقد قال الله تعالى
: (وَما خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[٤].