سبيل الله. فهذا تقسيم للأمر عليهم ، وتخيير بين أن يقاتلوا للآخرة أو
للدفع عن الأنفس والأموال. وقيل : معناه : قاتلوا الكفرة أو ادفعوهم بتكثيركم سواد
المجاهدين ، فإنّ كثرة السواد ممّا يروّع العدوّ ويكسر منه ، فهو بمنزلة القتال.
(قالُوا لَوْ نَعْلَمُ
قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) لو نعلم ما يصحّ أن يسمّى قتالا لاتّبعناكم فيه ، لكن
ما أنتم عليه ليس بقتال ، بل إلقاء بالأنفس إلى التهلكة.
(هُمْ لِلْكُفْرِ
يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) لانخزالهم [١] عن عسكر المسلمين ، وكلامهم هذا ، فإنّها أوّل أمارات
ظهرت منهم مؤذنة بكفرهم. يعني : أنّهم قبل ذلك اليوم كانوا يتظاهرون بالإيمان ،
وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم ، فلمّا انخزلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما
قالوا تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم ، واقتربوا من الكفر.
وقيل : المعنى
: هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان ، إذ كان انخزالهم عن عسكر المؤمنين
ومقالهم تقوية للمشركين وتخذيلا للمؤمنين.
(يَقُولُونَ
بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) يظهرون خلاف ما يضمرون ، لا تواطئ قلوبهم ألسنتهم
بالإيمان. وإضافة القول إلى الأفواه تأكيد وتصغير ، أي : لا يجاوز إيمانهم أفواههم
ومخارج الحروف منهم ، ولا تعي قلوبهم منه شيئا. ولا يخفى أنّ ذكر الأفواه مع
القلوب تصوير لنفاقهم.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما
يَكْتُمُونَ) من النفاق وما يخلو به بعضهم إلى بعض ، لأنّه يعلمه
مفصّلا بعلم واجب ، وأنتم تعلمونه مجملا بأمارات.
(الَّذِينَ قالُوا) رفع بدلا من «واو» يكتمون ، أو نصب على الذمّ أو الوصف
لـ «الّذين نافقوا» ، أو جرّ بدلا من الضمير في «بأفواههم» أو «قلوبهم» (لِإِخْوانِهِمْ) لأجلهم ، يريد : من قتل يوم أحد من أقاربهم ، أو من جنس
المنافقين المقتولين يوم