مِنْكُمْ) أي : ولمّا تجاهدوا ، لأنّ العلم يتعلّق بالمعلوم كما
مرّ ، فنزّل نفي العلم منزلة نفي متعلّقة ، لأنّه ينتفي بانتفائه ، تقول : ما علم
الله في فلان خيرا ، تريد : ما فيه خير حتى يعلمه. و «لمّا» بمعنى «لم» إلّا أن
فيها ضربا من التوقّع ، فدلّ على نفي الجهاد فيما مضى ، وعلى توقّعه فيما يستقبل. (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) نصب بإضمار «أن» على أنّ الواو للجمع ، كقولك : لا تأكل
السمك وتشرب اللبن. والمعنى : أظننتم أنّكم تدخلون الجنّة ولمّا يقع العلم بوجود
المجاهدين منكم والعلم بصبر الصابرين؟!
(وَلَقَدْ كُنْتُمْ
تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) أي : الحرب ، فإنّها من أسباب الموت ، أو الموت
بالشهادة (مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَلْقَوْهُ) قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدّته وصعوبة مقاساته. والخطاب
للّذين لم يشهدوا بدرا ، وتمنّوا أن يشهدوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مشهدا لينالوا ما نال شهداء بدر من الكرامة ، فألحّوا
يوم أحد على الخروج.
(فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أي : فقد رأيتم الموت معاينين له ، حين قتل دونكم من
قتل من إخوانكم ، وشارفتم أنتم أن تقتلوا. فهذا تأكيد للرؤية ، كما يقال : رأيته
عيانا ، ورأيته بعيني وسمعته بأذني ، لئلّا يتوهّم رؤية القلب وسمع العلم. ويجوز
تمنّي الشهادة ، لأنّ المراد منه نيل كرامة الشهداء لا غير ، كما أنّ من شرب دواء
الطبيب النصراني قاصدا إلى حصول المأمول من الشفاء ، لا يخطر بباله أنّ فيه جرّ
منفعة وإحسان إلى عدوّ الله. فلا يقال : كيف يجوز تمنّي الشهادة ، وفي تمنّيها
تمنّي غلبة الكافر على المسلم؟!
وقيل : معناه :
تمنّي توفيق الصبر على الجهاد إلى أن يقتلوا. وهو توبيخ لهم على أنّهم تمنّوا
الحرب ، وتسبّبوا خروج رسول الله بإلحاحهم ، ثم جبنوا وانهزموا عنها.
روي أنّه لمّا
رمى عبد الله بن قمئة الحارثي رسول الله بحجر فكسر رباعيته