ذكرهما معا شيئان : أحدهما : أن المقصد بهما طاعة الرسول فيما دعا إليه مع
القصد لطاعة الله. والثاني : ليعلم أنّ من أطاعه فيما دعا إليه فهو كمن أطاع الله ،
فيسارع إلى ذلك بأمر الله تعالى. وفي ذكر «لعلّ» و «عسى» في نحو هذه المواضع ما لا
يخفى على العارف الفطن ، من دقّة مسلك التقوى ، وصعوبة إصابة رضا الله ، وعزّة
التوصّل إلى رحمته وثوابه.
(وَسارِعُوا) وبادروا (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ
رَبِّكُمْ) ومعنى المسارعة إلى المغفرة والجنّة الإقبال على ما
يستحقّ به المغفرة ، كالاسلام والتوبة والإخلاص في الطاعات الواجبة والمندوبة. وعن
أمير المؤمنين عليهالسلام : في أداء الفرائض. وقرأ نافع وابن عامر : سارعوا بلا
واو.
(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) والمراد وصفها بالسعة والبسطة ، فشبّهت بأوسع ما علمه
الناس من خلق الله وأبسطه. وخصّ العرض على طريق التمثيل ، لأنّه دون الطول في
العادة ، فيدلّ على أنّ الطول أعظم ، وليس كذلك لو ذكر الطول دون العرض. أو لم يرد
به العرض الّذي هو خلاف الطول ، وإنّما أراد سعتها وعظمها ، والعرب إذا وصفت الشيء
بالسعة وصفته بالعرض. ولمّا كانت الجنّة فوق السماوات السبع تحت العرش ، والنار
تحت الأرضين السبع ، كما هو المرويّ ، فلا يقال : إذا كانت الجنّة في السماء فكيف
يكون لها هذا العرض؟ أو إذا كانت الجنّة عرضها السماوات والأرض فأين تكون النار؟
وعن ابن عبّاس : كسبع سماوات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض.
(أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ) هيّئت لهم. وفيه دليل على أنّ الجنّة مخلوقة ، لأنّها
لا تكون معدّة إلّا وهي مخلوقة ، وأنّها خارجة عن هذا العالم.
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) صفة مادحة للمتّقين ، أو مدح منصوب أو مرفوع (فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) في حال الرخاء واليسر ، وفي حال الضيق والعسر ، أو
الأحوال كلّها ، إذ الإنسان لا يخلو عن مسرّة أو مضرّة ، أي : لا يخلون في حال ما
بإنفاق ما