الخزرج وبنو الحارثة من الأوس ـ وكانا جناحي العسكر ـ أن يتبعا ابن أبيّ
فعصمهم الله ، فمضوا مع رسول الله ، فقال تعالى في حقّهما : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ) حيّان منكم : بنو سلمة وبنو حارثة. وهذه الشرطيّة
متعلّقة بقوله : «سميع عليم» ، أو بدل من «إذ غدوت» (أَنْ تَفْشَلا) أن تجبنا وتضعفا (وَاللهُ وَلِيُّهُما) أي : متولّي أمرهما وعاصمهما من اتّباع ابن أبيّ
المنافق ، أو ناصرهما (وَعَلَى اللهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فليتوكّلوا عليه ولا يتوكّلوا على غيره ، لينصركم الله
كما نصركم ببدر.
ثمّ بيّن
سبحانه ما فعله بهم من النصر يوم بدر ، فقال : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللهُ بِبَدْرٍ) بتقوية قلوبكم ، وبما أمدّكم من الملائكة ، وبإلقاء
الرعب في قلوب أعدائكم. وبدر ماء بين مكّة والمدينة ، كان لرجل يسمّى بدرا فسمّي
به (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) حال من الضمير. وإنّما قال : أذلّة ، ولم يقل : ذلائل ،
ليدلّ على قلّتهم مع ذلّتهم ، لضعف الحال ، وقلّة المراكب والسلاح. وذلك لأنّهم
كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، سبعة وسبعين من المهاجرين ، ومائتان وستّة
وثلاثين من الأنصار. وخرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد ، وما
كان معهم إلّا فرسان ، فرس لمقداد بن عمرو ، وفرس لمرثد بن أبي مرثد. وكان معهم من
السلاح ستّة أدرع وثمانية أسياف ، ومن الإبل سبعون بعيرا. وكان عدد المشركين نحو
ألف مقاتل ، ومعهم مائة فرس.
(فَاتَّقُوا اللهَ) في الثبات (لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ) لتقوموا بشكر ما أنعم به عليكم ـ بتقواكم ـ من نصره ،
أو لعلّكم ينعم الله عليكم فتشكرون ، فوضع الشكر موضع الإنعام ، لأنّه سببه. وقد
روي عن الموافقين والمخالفين أنّ صاحب راية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
وقوله : (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) ظرف لـ «نصركم» على أن يكون قال لهم ذلك يوم بدر ، والخطاب
للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقيل : بدل ثان من «إذ غدوت» على أن قوله ذلك