المسلمين يوم بدر وصبرهم على القتال ، ثم ذكر امتحانهم يوم أحد لمّا تركوا
الصبر ، فقال : (وَإِذْ غَدَوْتَ) أي : واذكر إذ خرجت غدوة (مِنْ أَهْلِكَ) من حجرة عائشة إلى احد (تُبَوِّئُ
الْمُؤْمِنِينَ) تنزلهم ، أو تسوّي وتهيّء لهم. ويؤيّده القراءة باللام (مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) مواقف وأماكن له. وقد يستعمل المقعد والمقام بمعنى المكان
على الاتّساع ، كقوله : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ)[١] ، وقوله : (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ
مِنْ مَقامِكَ)[٢]. (وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بنيّاتكم.
عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «كان سبب غزاة أحد أنّ قريشا لمّا رجعت من بدر
إلى مكّة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ، لأنّه قتل منهم سبعون وأسر سبعون
، قال أبو سفيان : يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم ، فإنّ الدمعة
إذا خرجت أذهبت الحزن والعداوة لمحمّد. فلمّا غزوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم أحد أذنوا لنسائهم في البكاء والنوح ، وخرجوا من
مكّة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل ، وأخرجوا معهم النساء. فلمّا بلغ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك جمع أصحابه وحثّهم على الجهاد.
فقال عبد الله
بن أبي سلول : يا رسول الله لا نخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقّتها ، فيقاتل
الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك وعلى السطوح ، ونحن على
حصوننا ودروبنا نرميهم السهام والأحجار ، فيكون الظفر لنا ، وما خرجنا إلى عدوّ
لنا قطّ إلّا كان له الظفر علينا.
فقام سعد بن
معاذ وغيره من الأوس فقالوا : يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون
نعبد الأصنام ، فكيف يطمعون بنا وأنت فينا؟! فنخرج إليهم نقاتلهم ، فمن قتل منّا
كان شهيدا ، ومن نجا منّا كان مجاهدا في سبيل الله.