من اطّلاعي إيّاك على أسرارهم ، فإنّي عليم بالأخفى من ضمائرهم.
ثمّ بيّن الله
تناهي عداوتهم بقوله : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ
حَسَنَةٌ) من نصرة وغنيمة ونعمة من الله (تَسُؤْهُمْ) تحزنهم (وَإِنْ تُصِبْكُمْ
سَيِّئَةٌ) محنة بإصابة العدوّ منكم ونحوها (يَفْرَحُوا بِها) أي : حسدوا ما أنالكم من خير ومنفعة ، وشمتوا بما
أصابكم من ضرّ وشدّة. والمسّ مستعار للإصابة ، فكان المعنى واحدا ، ألا ترى إلى
قوله : (إِنْ تُصِبْكَ
حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ)[١]. وقوله : (ما أَصابَكَ مِنْ
حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)[٢]. وقوله : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ
جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)[٣].
(وَإِنْ تَصْبِرُوا) على عداوتهم وأذاهم أو على مشاقّ التكاليف الشرعيّة (وَتَتَّقُوا) عن موالاتهم ، أو عمّا حرّم الله عليكم (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ) مكر المنافقين وسائر المشركين (شَيْئاً) بفضل الله وحفظه الموعود للصابرين والمتّقين ، فكنتم في
كنف الله وحفظه. وأيضا المجدّ في الأمر المعتاد بالاتّقاء والصبر يكون قليل
الانفعال عن المصيبة ، جريئا على الخصم. وضمّ الراء لاتباع العين ، كضمّ مدّ. وقرأ
ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب : لا يضركم ، من : ضاره يضره.
(إِنَّ اللهَ بِما
يَعْمَلُونَ) من الصبر والتقوى وغيرهما (مُحِيطٌ) محيط علمه ، أي : عالم بذلك من جميع جهاته ، فيجازيكم
بما أنتم أهله.