بمحاجّتهم بكتابهم ، وتبكيتهم بما فيه من أنّه قد حرّم عليهم بسبب ظلمهم ما
لم يكن محرّما.
روي : «أنّه عليهالسلام لمّا قال لهم بهتوا ، ولم يجسروا أن يخرجوا التوراة». وفيه
دليل على نبوّته صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(فَمَنِ افْتَرى عَلَى
اللهِ الْكَذِبَ) ابتدعه على الله تعالى ، بزعمه أنّ ذلك كان محرّما قبل
نزول التوراة على بني إسرائيل ومن قبلهم (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي : من بعد ما لزمتهم الحجّة (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الّذين لا ينصفون من أنفسهم ، ويكابرون الحقّ بعد ما
وضح لهم.
ثمّ عرّض
بكذبهم فقال : (قُلْ صَدَقَ اللهُ) أي : ثبت أنّ الله تعالى صادق فيما أنزل وأنتم الكاذبون
(فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ
إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي : ملّة الإسلام الّتي هي في الأصل ملّة إبراهيم عليهالسلام ، أو مثل ملّته ، حتى تتخلّصوا من اليهوديّة الّتي
اضطرّتكم إلى التحريف والمكابرة لتسوية الأغراض الدنيويّة ، وألزمتكم تحريم طيّبات
أحلّها الله لإبراهيم ومن تبعه.
والصحيح أنّ
نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن متعبّدا بشريعة من تقدّم من الأنبياء ، ولكن
وافقت شريعته شريعة إبراهيم ، فلذلك قال : اتّبعوا ملّة إبراهيم ، وإلّا فالله هو
الّذي أوحى بها إليه وأوجبها عليه ، فكانت شريعة له. فالتفسير الثاني هو الحقّ.
وإنما رغّب الله في شريعة الإسلام بأنّها ملّة إبراهيم لأن المصالح إذا وافقت ما
تميل النفس إليه ويقبله العقل بغير كلفة كانت أحقّ بالرغبة فيها ، وكان المشركون
يميلون إلى اتّباع ملّة إبراهيم ، فلذلك خوطب بذلك.
(وَما كانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ) فيه إشارة إلى أن اتّباعه واجب في التوحيد الصرف ،
والاستقامة في الدين ، والتجنّب عن الإفراط والتفريط. وتعريض بشرك اليهود.