نوحّده بالعبادة ، ونخلص فيها (وَلا نُشْرِكَ بِهِ
شَيْئاً) ولا نجعل له شريكا في استحقاق العبادة ، ولا نراه أهلا
لأن يعبد (وَلا يَتَّخِذَ
بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) فلا نقول : عزير ابن الله ، ولا المسيح ابن الله ، ولا
نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل ، لأنّ كلّا منهم بعضنا بشر مثلنا.
روي : «أنّه
لمّا نزلت (اتَّخَذُوا
أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ)[١] قال عديّ بن حاتم : ما كنّا نعبدهم يا رسول الله! قال :
أليس كانوا يحلّون لكم ويحرّمون ، فتأخذون بقولهم؟ قال : نعم ، قال : هو ذاك».
يعني : الأخذ
بقولهم هو اتّخاذكم إيّاهم أربابا.
وروي أيضا عن
أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : «ما عبدوهم من دون الله ، ولكن حرّموا لهم
حلالا وأحلّوا لهم حراما ، فكان ذلك اتّخاذهم أربابا من دون الله».
وعن الفضيل قال
: لا أبالي أطعت مخلوقا في معصية الخالق ، أو صلّيت لغير القبلة.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن التوحيد (فَقُولُوا) مقابلة لإعراضهم عن الحقّ (اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ) أي : لزمتكم الحجّة ، فوجب عليكم أن تعترفوا بأنّا
مخلصون مقرّون بالتوحيد ، كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع أو غيرهما :
اعترف بأنّي أنا الغالب ، وسلّم لي الغلبة. ويجوز أن يكون من باب التعريض ، ومعناه
: اشهدوا بأنّكم كافرون بما نطقت به الكتب وتطابقت عليه الرسل ، حيث تولّيتم عن
الحقّ بعد ظهوره.
وأحسن بما راعى
الله سبحانه في هذه القصّة من المبالغات في الإرشاد وحسن التدرّج في الحجاج ،
فإنّه سبحانه بيّن أوّلا أحوال عيسى وما تعاور عليه من الأطوار المنافية
للألوهيّة. ثمّ ذكر ما يحلّ عقدتهم ويزيح شبهتهم ، فلمّا رأى