من يقتله غيلة (وَمَكَرَ اللهُ) حين رفع عيسى عليهالسلام وألقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل. والمكر من حيث
إنّه في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرّة لا يسند إلى الله تعالى ، إلّا على
سبيل المقابلة والازدواج (وَاللهُ خَيْرُ
الْماكِرِينَ) أقواهم مكرا ، وأقدرهم على إيصال الضرر من حيث لا
يحتسب.
عن ابن عبّاس :
«لمّا أراد ملك بني إسرائيل قتل عيسى عليهالسلام دخل خوخته [١] وفيها كوّة ، فرفعه جبرئيل من الكوّة إلى السّماء ،
فقال الملك لرجل منهم خبيث : ادخل عليه فاقتله ، فدخل الخوخة فألقى الله عليه شبه
عيسى ، فخرج إلى أصحابه يخبرهم أنّه ليس في البيت ، فقتلوه وصلبوه وظنّوا أنّه
عيسى».
قال وهب : «أسّروه
ونصبوا له خشبة ليصلبوه ، فأظلمت الأرض ، وأرسل الله الملائكة فحالوا بينه وبينهم
، فأخذوا رجلا ألقى الله عليه شبه عيسى يقال له يهوذا ، وهو الذي دلّهم على المسيح
، فصلبوه ظنّا منهم أنّه عيسى».
ولمّا بيّن
سبحانه ما همّ به قوم عيسى من المكر به وقتله ، عقّبه بما أنعم عليه من لطف
التدبير وحسن التقدير ، فقال : (إِذْ قالَ اللهُ يا
عِيسى) ظرف لـ «مكر الله» أو «خير الماكرين» ، أو لمضمر مثل :
وقع ذلك «إنّي متوفّيك» مستوفي أجلك ، يعني : أنّي عاصمك من أن يقتلك الكفّار ،
ومؤخّرك إلى أجل كتبته لك ، ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم أو قابضك من الأرض ،
من : توفّيت مالي على فلان إذا استوفيته.
ويدلّ على
القولين ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «إنّ عيسى لم يمت ، وإنّه راجع إليكم قبل
يوم القيامة». وقد صحّ عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «كيف أنتم إذا نزل ابن
[١] الخوخة : مخترق
ما بين كلّ دارين لم ينصب عليها باب. والكوّة : خرق في الحائط تؤدّي الضوء إلى
البيت. لسان العرب ٣ : ١٤.