والآخرة تأنيث
الآخر ، صفة الدار بدليل قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ
الْآخِرَةُ)[١] فغلبت في الموصوف كالدنيا. وعن نافع أنّه خفّفها بحذف
الهمزة وإلقاء حركتها على اللام.
ولمّا وصف
المتّقين بهذه الصفات بيّن ما لهم عنده تعالى فقال : (أُولئِكَ عَلى هُدىً
مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). الجملة في محلّ الرفع بالخبريّة إن كان (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) مبتدأ ، وإلّا استئناف فلا محلّ لها ، فكأنّه نتيجة
الأحكام والصفات المتقدّمة ، أو جواب سائل قال : ما للموصوفين بهذه الصفات اختصّوا
بالهدى؟ ونظيره : أحسنت إلى زيد صديقك القديم حقيق بالإحسان ، فإنّ اسم الإشارة
هاهنا كإعادة الموصوف ـ أعني : المتّقين ـ بصفاته المذكورة ، وهو أبلغ من أن
يستأنف بإعادة الاسم وحده ، لما فيه من بيان المقتضي وتلخيصه ، فإنّ ترتّب الحكم
على الوصف إيذان بأنّه الموجب له.
ومعنى
الاستعلاء في قوله : «على هدى» تمثيل تمكّنهم من الهدى واستقرارهم عليه بحال من
اعتلى الشيء وركبه ، وذلك إنّما يحصل باستفراغ الفكر وإدامة النظر فيما نصب من
الحجج ، والمواظبة على محاسبة النفس في العمل. ونكّر «هدى» للتعظيم ، فكأنّه أريد
به ضرب لا يبلغ كنهه.
ومعنى «من
ربّهم» أنّهم منحوه وأعطوه من عنده ، وهو اللطف والتوفيق على أعمال البرّ.
وفي تكرير «أولئك»
تنبيه على أنّهم تميّزوا بكلّ واحدة من الخصلتين ـ اللّتين هما الفلاح والهدى ـ عن
غيرهم. ووسّط العاطف لاختلاف مفهوم الجملتين ، فإنّ كونهم على هدى غير كونهم من
أهل الفلاح ، بخلاف قوله : (أُولئِكَ