روي عن الصادق عليهالسلام : أنّ هذه الآية دلّت على وحدانيّة الله سبحانه ، وكمال
قدرته ، وتمام حكمته ، حيث صوّر الولد في رحم الأمّ على صفة مخصوصة ، وركّب فيه من
أنواع البدائع من غير آلة ولا كلفة ، وقد تقرّر في عقل كلّ عاقل أنّ العالم لو
اجتمعوا على أن يخلقوا من الماء بعوضة ، ويصوّروا منه صورة في حال ما يشاهدونه
ويصرفونه ، لم يقدروا على ذلك ، ولا وجدوا إليه سبيلا ، فكيف يقدرون على الخلق في
الأرحام؟ فتبارك الله أحسن الخالقين.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي : القرآن (مِنْهُ آياتٌ
مُحْكَماتٌ) أحكمت عبارتها ، بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) أصله ، تحمل المتشابهات عليها ، وتردّ إليها. والقياس :
أمّهات ، فأفرد على تأويل كلّ واحدة ، أو على أنّ الكلّ بمنزلة آية واحدة.
(وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) مشبّهات محتملات ، لا يتّضح مقصودها ـ لإجمال أو مخالفة
ظاهر ـ إلّا بالفحص والنظر ، ليظهر فيها فضل العلماء ، ويزداد حرصهم على أن
يجتهدوا في تدبّرها ، وتحصيل العلوم المتوقّف عليها استنباط المراد بها ، فينالوا
بها وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها والتوفيق بينها وبين المحكمات معالي
الدرجات. ولو كان القرآن كلّه محكمات لتعلّق به الناس بسهولة أخذه ، ولأعرضوا