(تِلْكَ) إشارة إلى القصص الّتي اقتصّها من حديث إماتة الألوف من
الناس وإحيائهم ، وتمليك طالوت ، ونزول التابوت ، وانهزام الجبابرة مع شدّة قوّتهم
وشوكتهم على يد صبيّ (آياتُ اللهِ نَتْلُوها
عَلَيْكَ) دلالات الله على قدرته ، نقرأها ، أي : يقرأها جبرئيل
عليك بأمرنا (بِالْحَقِ) بالوجه المطابق الّذي لا يشكّ فيه أهل الكتاب وأرباب
التواريخ (وَإِنَّكَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ) لما أخبرت بها من غير استماع وتعرّف بقراءة وكتابة.
(تِلْكَ الرُّسُلُ) إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السورة ، أو
الجماعة المعلومة للرسول (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ
عَلى بَعْضٍ) بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره.
ثمّ فصّل ذلك
التفضيل بقوله : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ
اللهُ) من غير سفير وهو موسى.
وقيل : موسى
ومحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كلّم موسى ليلة الحيرة وفي الطور ، ومحمّدا ليلة
المعراج حين كان قاب قوسين أو أدنى ، وبينهما بون بعيد.
(وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ
دَرَجاتٍ) أي : منهم رفعه على سائر الأنبياء ، بأن فضّله على غيره
من وجوه متعدّدة أو بمراتب متباعدة ، وهو محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّه خصّ بالدعوة العامّة ببعثه إلى جميع الإنس
والجنّ ، وبالحجج المتكاثرة والمعجزات المتصاعدة إلى ثلاثة آلاف ، وقيل إلى ألف ،
وهو الأصحّ ، وبالمعجزة القائمة إلى يوم القيامة ، وهي القرآن وسائر الآيات
المتعاقبة بتعاقب الدهر ، والفضائل العلميّة والعمليّة غير المحصورة. وهذا دليل
بيّن أنّ من زيد تفضيلا بالآيات منهم فقد فضّل على غيره ، ولمّا كان نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الّذي أوتي منها ما لم يؤت أحد في كثرتها وعظمها ،
كان هذا المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع ، اللهمّ ارزقنا شفاعته يوم
الدين.
وفي هذا الإبهام
من تعظيم شأنه وإعلاء مكانه ما لا يخفى ، لأنّ فيه أنّه العلم المشهور المتعيّن
لهذا الوصف المستغني عن التعيين ، وقد سئل الحطيئة عن أشعر