(قالَ إِنَّ اللهَ
مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) معاملكم معاملة المختبر بما اقترحتموه (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) فليس من أشياعي وأتباعي (وَمَنْ لَمْ
يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) أي : من لم يذقه ، من : طعم الشيء إذا ذاقه مأكولا أو
مشروبا. وإنّما علم ذلك بالوحي إن كان نبيّا كما قيل ، أو بإخبار النبيّ (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) استثناء من قوله : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ
فَلَيْسَ مِنِّي) والجملة الثانية في حكم المتأخّرة ، إلّا أنّها قدّمت
للعناية بها ، كما قدّم «والصابئون» في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ)[١].
ومعناه :
الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع ، والدليل عليه قوله : (فَشَرِبُوا مِنْهُ) أي : فكرعوا فيه (إِلَّا قَلِيلاً
مِنْهُمْ) إذ الأصل في الشرب منه أن لا يكون بوسط. وتعميم الأوّل
ليتّصل الاستثناء ، أو أفرطوا في الشرب منه إلا قليلا منهم. والقليل كانوا ثلاث
مائة وثلاثة عشر رجلا. وقيل : ثلاثة آلاف. وعن السدّي أربعة آلاف رجل. ونافق ستّة
وسبعون ألفا ، ثمّ نافق الأربعة الآلاف إلّا ثلاث مائة وبضعة عشر. وقيل : ألفا.
روي أنّه من اقتصر على الغرفة كفته لشربه وإداواته [٢] ، ومن لم
يقتصر غلب عليه عطشه ، واسودّت شفته ، ولم يقدر أن يمضي ، وهكذا الدنيا لقاصد
الآخرة.
(فَلَمَّا جاوَزَهُ
هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) أي : تخطّى النهر طالوت والّذين آمنوا معه ، يعني :
القليل الّذين لم يخالفوه (قالُوا) أي : بعضهم لبعض حين رأوا كثرة عدد جنود جالوت (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ
وَجُنُودِهِ) لكثرتهم وقوّتهم.