وروي أنّ
نبيّهم عليهالسلام لمّا دعا الله أن يملكهم أتي بعصا يقاس بها من يملّك
عليهم ، فلم يساوها إلّا طالوت.
(قالُوا) إنكارا لتملّكه عليهم (أَنَّى يَكُونُ لَهُ
الْمُلْكُ عَلَيْنا) من أين يكون له ذلك ويستأهل؟ (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ
يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) والحال أنّا أحقّ منه بالملك وراثة ومكنة ، ولا بدّ
للملك من مال يتقوّى به. وإنّما قالوا ذلك لأنّ طالوت كان فقيرا راعيا أو سقّاء أو
دبّاغا من أولاد بنيامين بن يعقوب ، ولم يكن من سبط النبوّة ولا من سبط الملك ،
وإنّما كانت النبوّة في أولاد لاوي بن يعقوب ، والملك في سبط يهوذا ، ولم يكن
طالوت من أحد السبطين.
وثانيا : بأنّ
الشرط فيه وفور العلم ليتمكّن به من معرفة الأمور السياسيّة ، وجسامة البدن ليكون
أعظم خطرا في القلوب ، وأقوى على مقاومة العدوّ ومكابدة الحروب ، لا ما ذكرتم ،
فقال : (وَزادَهُ بَسْطَةً) سعة وامتدادا (فِي الْعِلْمِ) بتدابير الحروب والسياسة ، ويجوز أن يكون عالما
بالديانات وبغيرها. وقيل : قد أوحي إليه ونبّئ. (وَالْجِسْمِ) بطول القامة على وجه كان الرجل القائم يمدّ يده فينال
رأسه ، وبالوجاهة التامّة وكمال الشجاعة ، وذلك أعظم في النفوس ، وأهيب في القلوب
، وأدخل في الحروب.
وثالثا : بأنّه
مالك الملك على الإطلاق ، فقال : (وَاللهُ يُؤْتِي
مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) وفق الحكمة والمصلحة.
ورابعا : بأنّه
واسع الفضل ، يوسّع على الفقير ويغنيه ، عالم بمن يليق بالملك ، فقال : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) بمن يصطفيه للرئاسة والملك.