الأيمان وإن كانت صادقة ، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة. كذا قاله في كنز
العرفان [١].
(وَاللهُ سَمِيعٌ) لأيمانكم (عَلِيمٌ) بنيّاتكم.
كان هاهنا موضع
سؤال مقدّر تقديره : إذا نهى الله عن جعل الله عرضة للأيمان هلك الناس ، لكثرة
حلفهم بالله. فأجاب بقوله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ). اللغو : الساقط الّذي لا يعتدّ به من كلام وغيره.
واللغو من اليمين : الساقط الّذي لا يعتدّ به في الأيمان ، وهو ما يجري على عادة
اللسان ويسبق به ، من قول : لا والله وبلى والله ، من غير عقد قلبي ، إذا تكلّم به
جاهلا بمعناه.
والمعنى : لا
يؤاخذكم الله بلغو اليمين الّذي لا قصد معه ، ولا يلزمكم به كفّارة وعقوبة (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ
قُلُوبُكُمْ) بما قصدتم من الأيمان ، وواطأت فيها قلوبكم ألسنتكم ،
فإنّ كسب القلب هو العقد والنيّة ، فالأيمان المأخوذ بها ما نوت قلوبكم وقصدته.
وفي هذا إشارة إلى اشتراط القصد في اليمين والنيّة ، فلا يقع يمين الغضبان غضبا
يرتفع معه القصد ، وكذا الساهي والغافل.
(وَاللهُ غَفُورٌ) حيث لم يؤاخذ (حَلِيمٌ) حيث لا يعجل بالمؤاخذة على يمين الجدّ تربّصا للتوبة.
وبعد ذكر حكم
مطلق الأيمان بيّن حكم الإيلاء ، فقال : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ
مِنْ نِسائِهِمْ) أي : يحلفون على أن لا يجامعوهنّ. والإيلاء الحلف ،
وتعديته بـ «على» ، ولكن لمّا ضمن هذا القسم معنى البعد عدّي بـ «من» ، فكأنّه قيل
: يبعدون من نسائهم مولين أو حالفين (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ) مبتدأ ما قبله خبره ، أو فاعل الظرف. والتربّص الانتظار
والتوقّف ، أضيف إلى الظرف على الاتّساع ، أي : للمولى حقّ التلبّث في هذه المدّة
، فلا يطالب بفيء ولا طلاق.