ولمّا ذكر
سبحانه شرائع الإسلام وأنّ النّاس فيها ثلاث فرق : مؤمن وكافر ومنافق ، ثمّ وعد
وأوعد ، بيّن بعد ذلك أنّ تركهم الإيمان ليس لتقصير في الحجج ، ولكن لسوء طباعهم
الخبيثة ، وخبث أعمالهم السّالفة قبل الإسلام ، فقال تقريعا لهم : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) أمر للرسول أو لكلّ أحد (كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ
آيَةٍ بَيِّنَةٍ) معجزة ظاهرة على أيدي أنبيائهم ، أو آية في التوراة
شاهدة على صحّة نبوّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فمنهم من آمن ومنهم من جحد ، ومنهم من أقرّ ومنهم من
بدّل. و «كم» استفهاميّة مقرّرة أو خبريّة ، ومحلّها النصب على المفعوليّة ، أو
الرفع بالابتداء على حذف العائد من الخبر ، و «آية» مميّزها ، و «من» للفصل بين
التمييز والمفعول.
(وَمَنْ يُبَدِّلْ
نِعْمَةَ اللهِ) أي : آياته ، فإنّها سبب الهدى الّذي هو أجلّ النعم. وتبديلها
بجعلها سبب الضلالة وازدياد الرجس ، أو بالتحريف والتأويل والزيغ (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) من بعد ما تمكّن من معرفتها ، أو من بعد ما عرفها. وفيه
تعريض بأنّهم بدّلوها بعد ما عقلوها (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ
الْعِقابِ) فيعاقبه أشدّ عقوبة ، لأنّه ارتكب أشدّ جريمة.