فإن قلت : كيف
قال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) والأولياء مخيّرون بين القصاص والعفو وأخذ الدية.
قلت : المراد
أنّه فرض عليكم ذلك إن اختار أولياء المقتول القصاص ، والفرض قد يكون مضيّقا وقد
يكون مخيّرا فيه ، أو فرض عليكم التمسّك بما حدّ لكم ، وترك مجاوزته إلى ما لم
يجعل لكم. ويجب على القاتل تسليم النفس إلى أولياء المقتول. ويجوز قتل العبد
بالحرّ والأنثى بالذكر إجماعا. وليس في الآية ما يمنع ذلك ، لأنّه لم يقل : ولا
تقتل الأنثى بالذكر ، ولا العبد بالحرّ. فما تضمّنته الآية معمول به. وما قلناه
مثبت بالإجماع ، ولقوله سبحانه : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)[١]. وتفصيل هذا المبحث يحال إلى الكتب الفقهيّة.
(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ
أَخِيهِ) من جهته (شَيْءٌ) أي : شيء من العفو ، على أنّه كقولك : سير بزيد بعض
السير وطائفة من السير ، لأنّ «عفا» لازم لا يتعدّى إلّا بواسطة «عن» ، فلا يصحّ
أن يكون «شيء» في معنى المفعول به.
وإنّما قيل :
شيء من العفو ، للإشعار بأنّه إذا عفي له طرف من العفو ، بأن يعفي عن بعض الدم ،
أو عفا عنه بعض الورثة ، تمّ العفو وسقط القصاص ، ولم تجب إلّا الدّية.
وقيل : «عفي»
بمعنى : ترك ، و «شيء» مفعول به. وهو ضعيف ، إذ لم يثبت «عفا الشيء» بمعنى : تركه
، بل أعفاه ، ومنه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «واعفوا اللحى».
فإن قلت : إن «عفا»
يتعدّى بـ «عن» لا باللّام ، فما وجه قوله : «فمن عفي له»؟
قلت : يتعدّى
بـ «عن» إلى الجاني وإلى الذنب ، فيقال : عفوت عن فلان وعن ذنبه ، قال الله تعالى
: (عَفَا اللهُ عَنْكَ)[٢] و (عَفَا اللهُ عَنْها)[٣]. فإذا تعدّى إلى الذنب