ولمّا بيّن
سبحانه أنّ البرّ لا يتمّ إلّا بالإيمان والتمسّك بالشرائع ، بيّن أحكامها ، وبدأ
بحفظ الدماء والجراح ، لأنّه الأهمّ ، فإنّه سبب بقاء الحياة الّذي به انتظام العالم
، ولا تحصل العبادة إلّا به ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) أي : فرض وأوجب القصاص ، أي : المساواة (فِي الْقَتْلى) جمع المقتول ، وهو أن يفعل بالقاتل ما فعله بالمقتول (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ
وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى).
روي أنّه كان
في الجاهليّة بين حيّين من أحياء العرب دماء ، وكان لأحدهما طول وفضل على الاخر ،
فأقسموا : لنقتلنّ بالعبد منّا الحرّ منكم ، وبالمرأة منّا الرجل منكم ، وبالرجل
منّا الرجلين منكم ، بجراحة منّا جراحتين منكم ، ونتزوّج بنسائكم بغير مهور ،
فلمّا جاء الإسلام تحاكموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمر فيها أن يتقابلوا
على طريق المساواة. ولا خلاف أنّ المراد به قتل العمد ، فإنّ العمد هو الّذي يجب
فيه القصاص ، دون الخطأ المحض وشبيه العمد. قال الصّادق عليهالسلام : «لا يقتل حرّ بعبد ، ولكن يضرب ضربا شديدا ، ويغرم
دية العبد». ولا يقتل الرجل بالمرأة ، إلّا إذا أدّى إلى أهله نصف ديته.