دائمين في اللعنة أو النار. وإضمارها قبل الذكر تفخيما لشأنها وتهويلا ، أو
اكتفاء بدلالة اللعن عليها. وقيل : يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) أي : يكون عذابهم على وتيرة واحدة ، فلا يخفّف أحيانا
ويشتدّ أحيانا (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) لا يمهلون من الإنظار ، أو لا ينتظرون ليعتذروا ، أو لا
ينظر إليهم نظر رحمة.
(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ
واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣))
عن ابن عبّاس
قال : إنّ كفّار قريش قالوا : يا محمد صف لنا وانسب لنا ربّك ، فنزلت : (وَإِلهُكُمْ) خالقكم والمنعم عليكم بجميع النعم من أصولها وفروعها ،
ولا شيء سواه بهذه الصفة ، ولا يقدر عليها ، فإنّ كلّ ما سواه إمّا نعمة وإمّا
منعم عليه (إِلهٌ واحِدٌ) خطاب للعام ، أي : المستحقّ منكم للعبادة واحد فرد في
الإلهيّة لا شريك له ، فلا يصحّ أن يعبد غيره ويسمّى إلها (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) تقرير للوحدانيّة ، وإزاحة لأن يتوهّم أنّ في الوجود
إلها غيره ولكن لا يستحقّ منهم العبادة (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) كالحجّة عليها ، فإنّه سبحانه لمّا كان مولى النعم
كلّها أصولها وفروعها ، وما سواه إمّا نعمة أو منعم عليه ، فلا يستحقّ العبادة أحد
غيره. وهما خبران آخران لقوله : «إلهكم» أو لمبتدأ محذوف.
قال في المجمع
: «الآية متّصلة بما قبلها وما بعدها ، فاتّصالها بما قبلها كاتّصال الحسنة
بالسيّئة لتمحو أثرها ، ويحذّر من مواقعتها ، فإنّه لمّا ذكر الشرك وأحكامه أتبع
ذلك بذكر التوحيد وأحكامه ، واتّصالها بما بعدها كاتّصال الحكم بالدلالة على صحّته
، لأنّ ما ذكر في الآية الّتي بعدها هي الحجّة على صحّة التوحيد» [١].