(وَنَحْنُ لَهُ
مُخْلِصُونَ) موحّدون نخلصه بالإيمان والطاعة دونكم. خلاصة المعني :
أنّ كرامة النبوّة إمّا تفضّل من الله على من يشاء ، والكلّ فيه سواء ، وإمّا
إفاضة حقّ على المستعدّين لها بالمواظبة على الطاعة والتحلّي بالإخلاص ، فلا
تستبعدوا أن يؤهّل أهل إخلاصه لكرامته بالنبوّة. وهذا كالتبكيت والإلزام لهم.
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ
إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً
أَوْ نَصارى) «أم» منقطعة ، والهمزة للإنكار. وعلى قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص
بالتاء يحتمل أن تكون معادلة للهمزة في «أتحاجّوننا» ، فتكون متّصلة ، بمعني : أيّ
الأمرين تأتون : المحاجّة ، أو ادّعاء اليهوديّة أو النصرانيّة على الأنبياء؟ وعلى
القراءة الأولى لا تكون إلا منقطعة.
ثمّ وبّخهم
الله تعالى بقوله : (قُلْ أَأَنْتُمْ
أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) وقد نفى الأمرين عن إبراهيم بقوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا
نَصْرانِيًّا)[١] ، واحتجّ عليه بقوله : (وَما أُنْزِلَتِ
التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ). وهؤلاء المعطوفون على إبراهيم أتباعه في الدين وفاقا.
(وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) يعني : شهادة الله لإبراهيم بالحنيفيّة ، والبراءة عن
اليهوديّة والنصرانيّة. والمعنى : لا أحد أظلم من أهل الكتاب ، لأنّهم كتموا هذه
الشهادة ، أو : منّا لو كتمنا هذه الشهادة. وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله تعالى
لمحمّد بالنبوّة في كتبهم وغيرها. و «من» للابتداء كما في قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ)[٢] ، وكما في قولك : هذه شهادة منّي لفلان.
(وَمَا اللهُ بِغافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ) وعيد لهم. وقرئ بالتاء ، أي : لا يخفى على