ولا يخفى أنّ
الرحمن أبلغ من الرحيم ، لأنّ زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى ، كما في : قطع
وقطّع ، وكبار وكبّار. وزيادة المعنى في الرحمن بالنسبة إلى معنى الرحيم تارة
باعتبار الكمّيّة ، واخرى باعتبار الكيفيّة. فعلى الأوّل قيل : يا رحمن الدنيا ،
لأنّه يعمّ المؤمن والكافر ، ورحيم الآخرة ، لأنّه يخصّ المؤمن. وعلى الثاني قيل :
يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ، لأنّ النعم الاخرويّة كلّها جسام ، وأمّا
النعم الدنيويّة فجليلة وحقيرة.
وتقديم الرحمن
على الرحيم ، والقياس يقتضي الترقّي من الأدنى إلى الأعلى ، إمّا لاختصاص إطلاقه
عليه سبحانه كاختصاص لفظة «الله» به ، لقوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ
أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ)[١] فصار كالعلم من حيث إنّه لا يوصف به غيره ، لأنّ معناه
: المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها ، وذلك لا يصدق على غيره ، لأنّ ما عداه
مستفيض بلطفه وإنعامه ، ولأنّ الرحمن دلّ على جلائل النعم وأصولها ، وذكر الرحيم
ليتناول ما خرج منها ، فيكون كالتتمّة والرديف له. وإمّا لتقدّم رحمة الدنيا.
والرحمة في
اللغة : رقّة القلب ، وانعطاف يقتضي التفضّل والإحسان ، ومنه : الرحم ، لانعطافها
على ما فيها ، وأسماء الله تعالى إنما يؤخذ باعتبار الغايات الّتي هي أفعال دون
المبادئ الّتي تكون انفعالات.
روي عن علي بن
موسى الرضا عليهالسلام أنّه قال : إنّ (بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها.
وروي عن النبيّ
صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : إذا قال المعلّم للصبيّ : قل : بسم الله
الرحمن الرحيم ، كتب الله براءة للصبيّ ، وبراءة لأبويه ، وبراءة للمعلّم.
وعن ابن مسعود
: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ :