حجّة للأشاعرة ، على أنّ الحوادث كلّها بإرادة الله تعالى ، وأنّ الأمر قد
ينفكّ عن الإرادة ، بأن أمر كلّ المكلّفين بالإيمان والطاعة ، وأراد من بعضهم
الإيمان دون بعض ، فيوجد ما أراد.
(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ
إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) أي : لم تذلّل للكراب الّذي هو شقّ الأرض لأجل حرث
البذر ، ولا لسقي الحروث. و «لا ذلول» صفة لبقرة ، بمعنى غير ذلول. و «لا» الثانية
مزيدة لتأكيد الأوّل. والفعلان صفتا ذلول ، كأنّه قيل : لا ذلول مثيرة وساقية.
(مُسَلَّمَةٌ) سلّمها الله تعالى من العيوب ، أو سلّم أهلها من العمل
، أو أخلص لونها ، من : سلم كذا إذا خلص له.
(لا شِيَةَ فِيها) لا لون فيها يخالف جلدها. وهي في الأصل مصدر : وشاه
وشيا وشية ، إذا خلط بلونه لونا آخر ، ومنه ثور موشى القوائم ، أي : هي صفراء
كلّها حتى قرنها وظلفها.
(قالُوا الْآنَ جِئْتَ
بِالْحَقِ) أي : بحقيقة وصف البقرة ، وحقّقتها لنا بالأوصاف
المبيّنة الموضحة ، بحيث ارتفع التشابه ، فحصّلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف
كلّها.
وقوله : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) استثقال لاستقصائهم واستبطائهم ، وأنّهم لتطويلهم
المفرط وكثرة استكشافهم كادت تنتهي سؤالاتهم ، وما كاد ينقطع خيط إسهابهم فيها
وتعمّقهم ليذبحوا البقرة ، أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل ، أو لغلاء ثمنها ، إذ
روي أنّ شيخا صالحا منهم كان له عجلة ، فأتى بها الغيضة [١] وقال :اللهمّ
إنّي أستودعكها لابني حتى يكبر ، فشبّت وكانت وحيدة بتلك الصفات ، فساوموها اليتيم
وأمّه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا ، وكانت البقرة في ذلك الوقت بثلاثة دنانير ،
وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة.
[١] الغيضة : الأجمة
، وهي مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر. (لسان العرب ٧ : ٢٠٢)