(فَلَوْ لا فَضْلُ
اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بتوفيقكم للتوبة ، أو بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يدعوكم إلى الحقّ ويهديكم إليه (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) المغبونين بالانهماك في المعاصي ، أو بالخبط والضلال في
فترة من الرسل.
و «لو» في
الأصل لامتناع الشيء لامتناع غيره ، فإذا دخل على «لا» أفاد إثباتا ، وهو امتناع
الشيء لثبوت غيره. والاسم الواقع بعده عند سيبويه مبتدأ ، خبره واجب الحذف بدلالة
الكلام عليه ، وسدّ الجواب مسدّه ، وعند الكوفيّين فاعل فعل محذوف.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ
الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ) عرفتم الّذين جاوزوا ما حدّ لهم (فِي السَّبْتِ) من تعظيمه ، واشتغلوا بالصيد. اللام موطّئة للقسم.
والسبت مصدر «سبتت اليهود» إذا عظّمت يوم السبت. وأصله القطع. أمروا بأن يتجرّدوا
فيه للعبادة ، ولا يرتكبوا فيه بغيرها ، فاعتدى فيه ناس منهم في زمان داود عليهالسلام ، واشتغلوا فيه بالصيد.
روي أنّهم
كانوا يسكنون قرية على الساحل يقال لها : أيلة ، وإذا كان يوم السبت لم يبق حوت في
البحر إلا حضر هناك وأخرج خرطومه ، فإذا مضى تفرّقت ، فحفروا حياضا وشقّوا إليها
الجداول ، وكانت الحيتان تدخلها يوم السّبت ، فيحبسونها ويصطادونها يوم الأحد ،
فذلك الحبس هو اعتداؤهم.
(فَقُلْنا لَهُمْ
كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) أي : كونوا جامعين بين صورة القردة والخسوء ، وهو
الصّغار والطّرد. وقوله : (كُونُوا قِرَدَةً) ليس بأمر ، إذ لا قدرة لهم عليه ، وإنّما المراد سرعة
التكوين ، وأنّهم صاروا كذلك كما أراد بهم.
عن ابن عبّاس :
مسخهم الله تعالى عقوبة لهم ، وكانوا يتعاوون ، وبقوا ثلاثة أيّام لم يأكلوا ولم
يشربوا ولم يتناسلوا ، ثمّ أهلكهم الله ، وجاءت ريح فهبّت بهم وألقتهم في الماء ،
وما مسخ الله تعالى أمّة إلا أهلكها. وبإجماع الأمّة هذه القردة