النهي عن تناول تلك الشجرة ـ الّذي يثمر الحرمان من الثواب العظيم ، الّذي
هو الخلود في جنّات النعيم مع مزيد التكريم ـ وهي تعليق النهي بالقرب الّذي هو من
مقدّمات التناول مبالغة في ترك الإقدام به [١] ، وتنبيها على أنّ القرب من الشيء يورث ميلا مّا به [٢] ، فينبغي أن
لا يحوما حول ما نهي [٣] عنهما مخافة أن يقعا فيه. وجعله سببا لأن يكونا من
الظالمين الّذين ظلموا أنفسهم بنقص حظّهما بالإتيان بما يخلّ بالكرامة والنعيم ،
فإنّ الفاء تفيد السببيّة. ولا يجوز أن يكون نهي تحريم ، ويكون آدم فاعلا لقبيح ،
لأنّ الأنبياء عليهمالسلام لعصمتهم لا يجوز عليهم القبائح ، لا صغيرها ولا كبيرها
، قبل البعثة وبعدها ، كما بيّن في كتب الكلام كالتجريد ونهج المسترشدين وغيرهما.
و «الشجرة» هي
الحنطة أو الكرمة أو التينة أو الكافور ، أو شجرة من أكل منها أحدث. والأوّل أشهر.
ثم بيّن الله
سبحانه حال آدم بعد سكونه مع حوّاء في الجنّة فقال : (فَأَزَلَّهُمَا
الشَّيْطانُ عَنْها) أي : أصدر زلّتهما الشيطان ـ يعنى : إبليس ـ عن الشجرة
، وحملهما على الزلّة بسببها. وإزلاله قوله : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى
شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)[٤] وقوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما
عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)[٥] ، ومقاسمته إيّاهما بقوله : (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)[٦]. نسب الإزلال إلى الشيطان لما وقع بدعائه ووسوسته ، أو
أزلّهما عن الجنّة بمعنى أذهبهما عنها وأبعدهما ، كما تقول : زلّ عن مرتبته ، وزلّ
عنّي ذلك ، إذا ذهب عنك. ويعضده
(١ و ٢ و ٣) كذا في
الخطّية ، ولعلّ الصحيح على الترتيب : الإقدام عليه ... ميلا مّا إليه ... نهيا
عنه.