ولهذا جعل أصحابنا رضياللهعنهم هذه الآية دالّة على أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة ،
حيث إنّه سبحانه أمرهم بالسجود لآدم ، وذلك يقتضي تعظيمه وتفضيله عليهم ، وإذا كان
المفضول لا يجوز تقديمه على الفاضل علمنا أنّه أفضل من الملائكة.
وهذا الوجه
أوجه وأحسن من الوجه الأوّل ، لأنّه لو كان على الوجه الأوّل لما امتنع إبليس من
ذلك ، ولما استعظمته الملائكة ، وقد نطق القرآن بأنّ امتناع إبليس عن السجود إنّما
هو لاعتقاده تفضيله به وتكرمته ، مثل قوله تعالى : (أَرَأَيْتَكَ هذَا
الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ)[١] وقوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[٢] ولوجب أن يعلمه الله بأنّه لم يأمره بالسجود على جهة
تعظيمه وتفضيله عليه ، وإنّما أمره على الوجه الآخر الّذي لا تفضيل فيه ، ولم يجز
إغفال ذلك ، فإنّه سبب معصية إبليس وضلالته ، فلمّا لم يقع ذلك علمنا أنّ الأمر
بالسجود له لم يكن إلّا على وجه التعظيم والتفضيل والإكرام والتبجيل.
وعلى هذا (فَسَجَدُوا) معناه : فسجد الملائكة سجدة تعظيم وتكريم لآدم (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) امتنع عمّا أمر به (وَاسْتَكْبَرَ) من أن يعظّمه ويتلقّاه بالتحيّة ، أو يخدمه ويسعى فيما
فيه خيره وصلاحه.
والإباء :
الامتناع باختيار. والتكبّر : أن يرى الرجل نفسه أكبر من غيره ، والاستكبار طلب
ذلك.
(وَكانَ مِنَ
الْكافِرِينَ) أي : في علم الله تعالى ، أو صار منهم باستقباحه أمر
الله تعالى إيّاه بالسجود لآدم ، اعتقادا بأنّه أفضل منه ، والأفضل لا يحسن أن
يؤمر