فسّرنا به. فلا يقال : قد آل المعنى إلى قولك : على أيّ حال تكفرون في حال
علمكم بهذه القصّة ، وهذا سؤال عن المعلوم ، فما وجه صحّته؟
واعلم أيضا أنّ
علمهم بأنّه يحييهم ثمّ إليه يرجعون من حيث تمكّنهم من العلم بهما لما نصب لهم من
الدلائل ، فنزّل التمكّن منزلة العلم في إزاحة العذر ، سيّما وفي الآية تنبيه على
ما يدلّ على صحّتهما ، وهو أنّه تعالى لمّا قدر على إحيائهم أولا قدر على أن
يحييهم ثانيا ، فإنّ بدء الخلق ليس بأهون عليه من إعادته.
ويجوز أن يكون
الخطاب مع الكفّار والمؤمنين جميعا ، فإنّه سبحانه لمّا بيّن دلائل التوحيد
والنبوّة وأوعدهم على الكفر أكّد ذلك بأن عدّد عليهم النعم العامّة والخاصّة ،
واستقبح صدور الكفر منهم ، واستبعده عنهم مع تلك النعم الجليلة ، فإنّ عظم النعم
يوجب عظم معصية المنعم. أو مع المؤمنين خاصّة ، لتقرير المنّة عليهم ، وتبعيد
الكفر عنهم على معنى : كيف يتصوّر منكم الكفر و (كُنْتُمْ أَمْواتاً) ، أي : جهّالا ، فأحياكم بما أفادكم من العلم والإيمان
، ثمّ يميتكم الموت المعروف ، ثمّ يحييكم الحياة الحقيقيّة ، ثمّ إليه ترجعون ،
فينبّئكم بما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر؟! وإنّما عدّ الموت
من النعم وهو يقطع النعم في الظاهر لأنّ الموت يقطع التكليف ، فيصل المكلّف بعده
إلى الثواب الأبدي والنعيم السرمدي ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ
الْحَيَوانُ)[١].
وفي هذه الآية
دلالة على أنّ الله تعالى لم يرد من عباده الكفر ، ولا خلقه فيهم ، لأنّه لو أراد
منهم أو خلقه فيهم لم يجز أن يضيفه إليهم بقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ).
ثمّ بيّن نعمة
اخرى مرتّبة على الاولى بقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ
لَكُمْ) أي :