المراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين للمعنى الموضوع له
، فمثّل تركه سبحانه تخييب العبد لكرمه بترك ردّ المحتاج إليه حياء منه ، كذلك
المعنيّ في الآية : إنّ الله لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي أن يمثّل
بها لحقارتها. وإنّما عدل بالاستحياء عن الترك لما فيه من التمثيل الّذي هو يتضمّن
أمرا محسوسا مشاهدا ، بخلاف الترك ، فإنّه أمر معنويّ غير مشاهد.
و «أن» بصلتها
مخفوض المحلّ عند الخليل بإضمار «من» ، منصوب بإفضاء الفعل إليه بعد حذفها عند
سيبويه.
و «ما» هذه
إبهاميّة ، وهي الّتي إذا اقترنت بنكرة زادته شياعا ، تقول : أعطني كتابا مّا أي :
أيّ كتاب كان ، أو هي صلة زيدت للتأكيد ، نحو الّتي في قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ)[١]. والمعنى : أنّ لله أن يمثّل للأنداد ما لا شيء أصغر
منه وأقلّ.
و «بعوضة» عطف
بيان لـ «مثلا» ، أو مفعول لـ «يضرب» و «مثلا» حال عن النكرة مقدّمة عليه ، أو
انتصبا على أنّهما مفعولان لـ «يضرب» لأنّه أجري مجري جعل. والبعوض فعول من البعض
، وهو القطع كالبضع ، فإنّ مدار الباء والعين والضاد على القطع كيف ما تركّبت ، ثم
غلب على هذا المعنى.
وقوله : (فَما فَوْقَها) عطف على «بعوضة». وفيه معنيان :
أحدهما : فما
تجاوزها وزاد عليها في المعنى الّذي ضربت فيه مثلا ، وهو القلّة والحقارة ،
كجناحها ، فإنّه ضرب مثلا للدنيا ، ومنه قوله عليهالسلام : «ما أصاب المؤمن من مكروه فهو كفّارة لخطاياه حتى
نخبة النملة» أي : عضّتها [٢].
والآخر : فما
زاد عليها في الحجم كالذباب والعنكبوت ، كأنّه قصد به ردّ ما استنكروه. والمعنى
أنّه لا يستحيي ضرب المثل بالبعوض فضلا عمّا هو أكبر منه.