وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ، فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ، فَانَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا.
أَفَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ، وَالْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ، وَالرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ؟
فَكَيْفَ إِذَا كانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نارٍ، ضَجِيعَ حَجَرٍ، وَ قَرِينَ شَيْطَانٍ؟ أَعَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى النَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ، وَ إِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِها جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ.
أَيُّها الْيَفَنُ الْكَبِيرُ الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتِيرُ، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ النَّارِ بِعِظَامِ الْأَعْنَاقِ، وَ نَشَبَتِ الْجَوامِعُ حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ السَّوَاعِدِ. فَاللَّهَ اللَّهَ مَعْشَرَ الْعِبَادِ! وَ أَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ. وَ فِي الْفُسْحَةِ قَبْلَ الضِّيقِ. فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا. أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ، وَ أَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ، وَ اسْتَعْمِلُوا اقْدَامَكُمْ، وَ أَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ، وَ خُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِها عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَ لَاتَبْخَلُوا بِها عَنْهَا، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» وَ قَالَ تَعَالى: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ «وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ». فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ، وَ لَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ، اسْتَنْصَرَكُمْ «وَ لَهُ جُنُودُ السَّمَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». وَ اسْتَقْرَضَكُمْ «وَ لَهُ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضِ، وَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ». وَ إِنَّما أَرَادَ أَنْ «يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا». فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اللَّهِ فِي دَارِهِ. رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ، وَ أَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ، وَ أَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً، وَصَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَ نَصَباً: «ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ».