الطاووس
وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُوسُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي أَحْكَمِ تَعْدِيلٍ، وَ نَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِي أَحْسَنِ تَنْضِيدٍ، بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ، وَ ذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ. إِذَا دَرَجَ إِلَى الْأُنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ، وَ سَمَا بِهِ مُطِلًّا عَلَى رَأْسِهِ كَأَنَّهُ قَلْعُ دَارِيٍّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ. يَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ، وَ يَمِيسُ بِزَيَفَانِهِ. يُفْضِي كَإِفْضَاءِ الدِّيَكَة، وَ يَؤُرُّ بِمُلاقَحَةِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لَلضِّرَابِ.
أُحِيلُكَ مِنْ ذلِكَ عَلَى مُعَايَنَةٍ، لَا كَمَنْ يُحِيلُ عَلَى ضَعِيفٍ إِسْنَادُهُ. وَ لَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ، فَتَقِفُ فِي ضَفَّتَيْ جُفُونِهِ، وَ أَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذلِكَ، ثُمَّ تَبِيضُ لَا مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَى الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ، لَمَا كَانَ ذلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ!
تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِيَ مِنْ فِضَّةٍ وَ مَا أُنْبِتَ عَلَيْهَا مِنْ عَجِيبِ دَارَاتِهِ وَ شُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْيَانِ وَ فِلَذَ الزَّبَرْجَدِ. فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ قُلْتَ: جَنِيًّ جُنِيَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِيعٍ. وَ إِنْ ضَاهَيْتَهُ بِالْمَلابِسِ فَهُوَ كَمَوْشِيِّ الْحُلَلِ، أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ الَيمَنِ، وَ إِنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِيِّ فَهُوَ كَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ، قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَيْنِ الْمُكَلَّلِ. يَمْشِي مَشْيَ الْمَرِحِ الُمخْتَالِ، وَ يَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَ جَنَاحَيْهِ، فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ، وَ أَصَابِيغِ وِشَاحِهِ؛ فَإِذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلًا بِصَوْتٍ يَكادُ يُبِينُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ، وَ يَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ، لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلاسِيَّةِ.
وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيْصِيَةٌ خَفِيَّةٌ وَ لَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ. وَ مَخْرَجُ عَنُقِهِ كَالْإِبْرِيقِ. وَ مَغْرِزُهَا إِلَى حَيْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الَيمَانِيَّةِ، أَوْ كَحَرِيرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ، وَ كَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ.