responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : يسئلونك عن... نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 1  صفحه : 179

شرح وتفسير:

تشير الآيات المذكورة أعلاه إلى أحد أسفار ذي القرنين، حيث تقول: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً* حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً غير الذين شاهدهم في الشرق والغرب وكانوا يعيشون في مستوى متدنّ من الحضارة، لأنّ اللغة إحدى أوضح علائم الحضارة الإنسانية.

كما احتمل البعض الآخر أنّ المقصود من جملة لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ‌ ليس بمعنى أنّهم لم يكونوا يعرفون اللغات المعروفة آنذاك، بل لم يكونوا يدركون مضمونها، أي كانوا متخلفين من الناحية الفكرية.

أمّا عن مكان ذينك الجبلين، فإننا كسائر الأبعاد التاريخية والجغرافية لهذه القصّة سوف نبحث فيها في نهاية التفسير.

كان هؤلاء القوم يعانون من أعداء سفاكين للدماء ومتوحشين يطلق عليهم‌ يأجوج ومأجوج‌. فاستغلوا في الأثناء فرصة قدوم ذي القرنين الذي يتمتع بقدرات وإمكانات عظيمة والتجؤوا إليه قائلين: يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا وفيه إشارة إلى أنّه على الرغم من عدم فهمهم لغة ذي القرنين، فإنّهم استطاعوا على الأقل عن طريق الإشارات والعلامات أو عبر لغة ناقصة لا يعتدّ بها نقل ما يريدون إليه.

كما أنّ هناك احتمالًا آخر بأنّ التفاهم بينهم وبين ذي القرنين جرى من خلال المترجمين أو عن طريق الإلهام الإلهي كحديث بعض الطيور مع النبي سليمان عليه السلام.

على أي حال، يستفاد من هذه الجملة أنّ هؤلاء القوم كانوا يتمتعون بإمكانات اقتصادية جيدة، ولكنّهم كانوا عاجزين من حيث الصناعة والفكر والتخطيط، فتقبّلوا أن يتحملوا أعباء بناء هذا السد، بشرط أن يتكفل ذو القرنين بنفسه مشروع تخطيطه وبنائه.

وسوف نتحدّث عن يأجوج ومأجوج في نهاية هذا البحث بإذن الله تعالى.

أمّا ذو القرنين، فاستجاب لطلبهم قائلًا: قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّة أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً والردم في الأصل بمعنى مل‌ء الصدوع بالحجارة ولكن معناه توسع ليشمل كل سدّ، بل ليشمل حتى ترقيع الملابس أيضاً.

ويرى جمع من المفسّرين أنّ الردم تطلق على السد المحكم والقوي (1)، وبناء على هذا التفسير فقد وعدهم ذو القرنين ببناء شي‌ء يفوق توقعاتهم كما ينبغي أن نوضح أنّ (السَّدَّ) و (السُّدْ) لهما نفس المعنى أي الحاجز الذي يفصل بين شيئين،

ولكن، بناءً على قول الراغب الأصفهاني في (المفردات) فقد ميز البعض بينهما فخصّصوا الأوّل لما يصنعه الإنسان، والثاني للحواجز الطبيعية.

ثم أمر ذو القرنين بما يلي: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) أي القطع الضخمة والكبيرة من الحديد، وعندما هيئت قطع الحديد تلك، أمر بأن تركم فوق بعضها حتى تملأ ما بين الجبلين (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) والصدف هنا معنى (سفح الجبل)، ومن هذا التعبير يتضح أنّه كان يوجد شقّ وخرق بين سفحي الجبل يدخل منه يأجوج ومأجوج فقرر ذو القرنين أن يملأه.

أمّا الأمر الثالث الذي أصدره ذو القرنين فكان ما يلي:

قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً حيث أمرهم بإحضار المواد القابلة للاحتراق كالحطب وغيرها، وجعلها على جانبي السدّ، ثم أمرهم أن ينفخوا فيها لتحمرّ ناراً بالوسائل التي عندهم، وفي الحقيقة فقد أراد بهذا الأسلوب أن تلتحم قطع الحديد بعضها ببعض، ويتحوّل السد إلى كتلة واحدة، وهو ما يقومون به هذه الأيّام بواسطة اللحام عبر تحمية قطع الحديد بالحرارة ما تذوب وتلتحم بعضها ببعض.

ثم أصدر في النهاية أمراً: قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً وبهذا الشكل غطّى ذلك السد الحديدي بطبقة من النحاس ليحميه من اختراق الهواء والتآكل والتصدع! وقد ذكربعض‌المفسّرين أنّ العلم الحديث أثبت أنّه إذا تمّت إضافة مقدار من النحاس إلى الحديد فإنّ ذلك يزيد من مقاومته، ولإدراكه هذه الحقيقة قام ذو القرنين بهذه الخطوة.

نام کتاب : يسئلونك عن... نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 1  صفحه : 179
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست