على أيّة حال فإنّ نظرة خاطفة لموضوعات الفقه الإسلامي المختلفة تثبت جامعيّة
وشمول هذا الفقه لكلتا المساحتين الفردية والاجتماعية؛ ففي الدائرة الفردية نجد
أبواباً ومسائل، كباب الصلاة، الصوم، الإعتكاف، المسائل المتعلّقة بالنظافة
الظاهرية والسلامة البدنية (أحكام الطهارات والنجاسات، الأطعمة والأشربة و ...)
أمّا في الدائرة الاجتماعية فنرى مسائل تتعلّق بالعلاقات الاجتماعية للإنسان
ووظائف الإنسان لحقوقه في مقابل الآخرين تحت عناوين من قبيل: المعاملات، الأحوال
الشخصية (النكاح والطلاق وأمثال ذلك) العقوبات الجزائية (الحدود، القصاص والديات)
والقضاء وغير ذلك.
إنّ الفقه الإسلامي لم يغفل العلاقة الوثيقة بين الفقه والأخلاق (كما سيأتي
لاحقاً في هذا الفصل) ولا العلاقة بين الفرد والمجتمع. فإذا أردنا تحقيق مجتمع
سالم، فينبغي أن يكون الأفراد سالمين، وأساساً فإنّ المجتمع البشري يتشكّل من
أفراد البشر، وبديهي أنّ تمتّع أفراد البشر بالسلامة الروحية والأخلاقية بحاجة
لوضع بعض القوانين والمقرّرات الفردية في قوالب الواجب والحرام والمستحبّ والمكروه
وهي التي يتحرّك الفقه الإسلامي للإستجابة لها من موقع الاهتمام، والجواب عن
التفاصيل.
5. اقترانه مع «الأخلاق»
وهناك امتياز مهمّ آخر للفقه الإسلامي، وهو اقترانه بالأخلاق والقيم
الأخلاقية، فالعبادات، التي تشكّل قسماً مهمّاً من أقسام الفقه، لها غاية أخلاقية،
مثلًا، الصلاة، تصعد بالإنسان إلى عالم الملكوت والقرب من الحق تعالى
وتبعده عن الفحشاء والمنكر: «إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»[3] ويعدّ «الرياء» أحد الرذائل الأخلاقية، ولذلك
فإنّ الفقه الإسلامي يمتاز عن القانون الوضعي بموقفه الخاص من الرياء ويقرّر بطلان
العمل العبادي المقترن بالرياء. وهكذا الحال في بحوث الإقتصاد الإسلامي وأنواع
المعاملات والتي تقترن بالمسائل الأخلاقية، من قبيل بحث «إقالة النادم» [4]، «عدم الدخول
في سَوم المؤمن» [5]، «عدم
تلقّي الركبان» [6]،
[4]. وهو إشارة للشخص النادم من
معاملة قطعية، والذي لا مجال لديه لفسخالمعاملة، فالحكم الشرعي، في هذه الصورة أن
يسعى حدّ الإمكان لإقناع الطرف المقابل لفسخ المعاملة.
[5]. وهذا إشارة إلى الشخص الذي يدخل
في معاملة ولم تصبح قطعية، ثميأتي شخص آخر ويدخل على الخط ويطرح ثمناً أعلى لشراء
البضاعة، وهذه الحالة مذمومة في التعاليم الإسلامية.
[6]. وهذا إشارة إلى الأشخاص الذين
يحملون بضاعة للسوق ويكون ثمن هذه البضاعة مرتفعاً في ذلك السوق، ولكن بعض الأشخاص
النفعيين يستقبلون هؤلا التجار قبل وصولهم إلى السوق ليشتروا منهم البضاعة بقيمة
أدنى من قيمتها الحقيقية، فمثل هذا العمل وقع منهياً عنه في الإسلام.