responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 1  صفحه : 58

وعلى هذا الأساس فإنّ مقدار العقوبات يتناغم مع مقدار وكيفية الجرم، وبالتالي فإنّه لا يمكن أن يضيع حقّ أيّ شخص في قوانينه ولا يقع أحد مورد الظلم والعدوان، لأنّه تعالى لا يقرّر قانوناً أو حكماً أكثر من طاقة الإنسان ووسعه‌ «لَايُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا» [1] ونظراً لوجود قاعدتين في الشريعة باسم «نفي الحرج» و «لا ضرر» فلا يوجد أيّ مشقّة أو ضرر في أحكامه وقوانينه على الناس.

خامساً: إنّه تعالى مطّلع بصورة كاملة على روحية الإنسان وعواطفه الحاكمة على أعماله وأفعاله، ولذلك فإنّه يراعي التدريج والتدرج في كيفية جعل القانون وكذلك في كيفية وأسلوب إبلاغه للناس لئلّا يواجه الإنسان صعوبة وحرجاً في عملية الامتثال أو أنّه تعالى يراعي أصل التشويق إلى جانب العقوبة والثواب إلى جانب العقاب حتى يتحرك الناس في قبولهم للقانون من موقع الرغبة والرضا وطيب النفس، مثلًا في بيان قانون الزكاة الذي يقترن مع ردع النفس عن التمتعات الدنيوية فإنّه أشار إلى تأثير الزكاة في علمية التزكية والتطهير النفسي للإنسان‌ «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» [2] وفي قانون الجهاد الذي يطلب من الإنسان الإغماض عن النفس والمال، فإنّه يذكّره بالثواب الأخروي والجنّة «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى‌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ» [3].

هذه الموارد كلّها يمتاز بها خالق العقل وهو المقنّن للقوانين الإسلامية، ولكنّها بأجمعها أو على الأقلّ العمدة منها، يفقدها العقل الجمعي وهو المقنّن للقوانين البشرية وبالتالي نشاهد تغيرات وتبدّلات مضرّة ومكلّفة في القوانين البشرية بين الفينة والأخرى.

2. الاتّساق مع الفطرة [4]

ومن جملة امتيازات الفقه الإسلامي هو اتّساقه وانسجامه مع الفطرة التوحيدية الصافية والشفّافة، فعلى أساس ما تقرره الآية الشريفة: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» [5] فإنّ جميع أفراد البشر يتّصلون بأصلٍ مشترك واحد في منظومة «الدين» وهو الفطرة الإلهية والتوحيدية، وبما أنّ الفقه يمثّل ركناً من الأركان الثلاثة للدين، فهو فطري أيضاً، ولذلك ورد في تفسير كلمة «معروف» التي أمرت به الشريعة دائماً ونهت عن ضدّه (المنكر) هذا المعنى:

«وحيث بنى الإسلام شريعته على أساس الفطرة والخلقة كان «المعروف» عنده هو الذي يعرفه الناس إذا سلكوا مسلك الفطرة ولا يتعدّوا طور الخلقة ...» [6] وبتعبير آخر: إنّ «المعروف» و «المنكر» إشارة واضحة إلى هذه الحقيقة وهي أنّ الأعمال الصالحة معروفة لروح الإنسان وفطرته، والأعمال القبيحة غير مفهومة لدى روح الإنسان وفطرته، وببيان آخر: إنّ كون الدين فطرياً، خلافاً لما يتوهّم البعض، لا ينحصر في أصل‌


[1]. سورة البقرة، الآية 286.

[2]. سورة التوبة، الآية 103.

[3]. سورة التوبة، الآية 111.

[4]. الفطرة في الأصل بمعنى شقّ الشي‌ء من جهة الطول ثمّ اطلقت على أي شقّ، وبما أنّ الخلقة بمنزلة شقّ ستار العدم، فإنّ أحد المعاني المهمّة لهذه المفردة هو الخلق (مفردات الراغب، لسان العرب، ذيل كملة فطر) وأحياناً تأتي كلمة فطرة إلى جانب: طبيعة، وغريزة، ولكنّها تختلف عنها في أنّ «الطبيعة» تعني الخصوصيات الذاتية والمشتركة بين الموجودات الحية وغير الحية، ولكن «غريزة» تختص بالأحياء من الإنسان والحيوان ويقصد بها الدوافع والمثيرات غير الواعية التي تؤثر بدون تدخل عنصر الإرادة، أمّا الفطرة» فتختص بالإنسان وتمتاز باقترانها بالوعي.

[5]. سورة الروم، الآية 30.

[6]. تفسير الميزان، ج 2، ص 232.

نام کتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 1  صفحه : 58
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست