مصيباً وإن أخطأ ذلك الحكم المعيّن الذي لم يؤمر بإصابته، بمعنى أنّه أدّى ما
كلّف فأصاب ما عليه» [1].
ولكنّ عقيدة التصويب هذه ووجود «ما لا نصّ فيه» ليس مورد اتّفاق جميع علماء
أهل السنّة، فابن حزم يقول في رسالة «إبطال القياس والرأي والاستحسان ...»: إنّ
الاعتراف بوجود «ما لا نصّ فيه» غير صحيح
وعليه، أوّلًا: رغم أنّ مُعظم علماء أهل السنّة لايعتقدون بمقولة (ما لا نصّ
فيه)، لكنّ جماعة كبيرة منهم يعتقدون بذلك. ثانياً: بالنسبة لهذا السؤال: هل يوجد
حكم إلهيّ في موارد فقدان النصّ؟ هناك قولان، القول الأول هو ما ذهب إليه الغزالي
(وجماعة كبيرة من الأشاعرة) حيث يعتقدون بعدم وجود أيّ حكم إلهيّ في مثل هذه
الموارد، بل إنّ المجتهد يضع حكماً على أساس الظنّ (ومن خلال الاستحسان والمصالح
المرسلة وأمثال ذلك) وأنّ اللَّه تعالى يمضي ذلك الحكم، وعليه، فهناك أحكام
متعدّدة في الواقع بتعدّد آراء وفتاوى الفقهاء (وهذا هو التصويب الأشعريّ).
والقول الآخر هو ما ذهب إليه جماعة أخرى منهم حيث قالوا بوجود حكم شرعيّ في
الواقع، ووظيفة المجتهد التحقيق والبحث عنه واستخراجه، ولكن إذا لم يحصل عليه فلا
تكليف عليه بالنسبة لذلك الحكم، بل وظيفته ما وصل إليه من خلال الظنّ والتخمين
(وهذا هو التصويب المعتزلي).
في حين أنّ فقهاء الإمامية بصورة عامّة يعتقدون:
أوّلًا: أنّه لا توجد مسألة من المسائل التي يحتاج
إليها الإنسان وإلى نهاية العالم، لم يذكر لها حكم خاصّ أو عامّ في الكتاب
والسنّة، ومن أجل إثبات هذا الموضوع استدلّوا بالقرآن والسنّة، ومن ذلك:
1. يقول القرآن الكريم:
«وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَىْءٍ»[3]. ومقتضى عموم
هذه الآية هو أنّ جميع الأحكام التي يحتاج إليها البشر قد بيّن القرآن حكمها بشكل
خاصّ أو بشكل عامّ.