الجدال بينهما إلى نزاع وكراهية راسخة، لأنّ سفيان كان من مؤيّدي الحديث، وأبوحنيفة من أهل الرأي والقياس. وكذلك ما حدث من سجال بينه وبين شريك بن عبداللَّه النخعي، قاضي الكوفة (م 177) ومحمّد بن عبدالرحمن بن أبي‌ليلى (م 148) أيضاً.

وقد ذهب‌ ابن حزم‌ إلى تكذيب مقولات أبي‌حنيفة وأتباعه، وتهجّم الخطيب البغدادي بشدّة في تاريخه على أبي‌حنيفة وأتباعه بكلمات قاسية وركيكة [1].

والمعروف أنّ أباحنيفة لم يعتمد على السنّة سوى في موارد قليلة، لأنّ قبول الأحاديث الواردة في‌السنّة يخضع لشروط خاصّة ومعقّدة عنده‌ [2].

يقول العالم المعروف، ابن خلدون: «إنّ أباحنيفةكان يرى صحّة سبعة عشر حديثاً عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ويعتمد عليها، لأنّه كان صعباً في أمر الحديث» [3].

2. المذهب المالكي‌

وينتسب هذا المذهب إلى مالك بن أنس بن أبي‌عامر الأصبحي، (المولود عام 93 للهجرة في المدينة والمتوفى‌ عام 179 للهجرة في المدينة نفسها).

وقد عاش فترة من عمره في زمن الأمويين وقسم آخر في حكومة العباسيين.

وقد أخذ مالك فقهه من الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام، وربيعة بن أبي‌عبداللَّه، المعروف ب «ربيعة الرأى» (م 136) ومن التابعين، وسمع الحديث من نافع (غلام عبداللَّه بن عمر) والزُهري.

ومن أشهر تلاميذه؛ الشافعي (م 204)؛ وعبدالرحمن بن قاسم (م 191)؛ وأسد بن فرات (م 213) وعبداللَّه بن وهب (م 197). وقد انتشر مذهبه في شمال آفريقا، وقطر، والبحرين والكويت.

وله كتاب معروف باسم‌ «موطّأ مالك» وهو كتاب حديثيّ وفقهيّ، كتبه بطلب من المنصور العبّاسي. وقد سعى خلفاء بني العبّاس كثيراً في تكريمه وتقديره ومنحوه ألقاباً كثيرة، حتى أنّهم قالوا: إنّ رسول اللَّه سمّاه بهذا الاسم، وليس بعد القرآن مثله‌ [4].

المصادر الفقهية لمالك:

يعتمد مالك في فتاواه، مضافاً إلى الكتاب والسنّة، بعمل أهل المدينة وفتاوى الصحابة، وفي مرتبة لاحقة يعمل بالقياس والمصالح المرسلة أيضاً [5]. ولكن يقول البعض: إنّه يعمل بعد الكتاب والسنّة، بالإجماع والقياس وعمل أهل المدينة وفتوى الصحابيّ والاستحسان‌ [6].

3. المذهب الشافعي‌

وينتسب هذا المذهب إلى أبي عبداللَّه، محمّد بن إدريس بن عبّاس بن عثمان بن شافع، المعروف ب الشافعي.

[1]. أدوار علم الفقه، ص 146 و 147.

[2]. تاريخ التشريع الإسلامي، ج 2، ص 81.

[3]. تاريخ ابن خلدون، ج 2، ص 796 (الفصل السادس، علوم الحديث) وإن نقل ابن خلدون هذا الكلام عن أبي حنيفة، ولكن في مقام العمل والاستنباط استفاد فقهاء مذهب الحنفي من الروايات بشكل واسع (المختار ابن عابدين، بديع الصنائع، المبسوط السرخي).

[4]. انظر: تهذيب التّهذيب، ج 10، ص 5؛ وفيات الأعيان، ج 4، ص 135؛ الاعلام للزركلي، ج 2، ص 126؛ تاريخ التشريع الإسلامي، ج 2، ص 99 وما بعده؛ تاريخ الفقه الإسلامي، ص 129- 136؛ المدخل إلى الفقه الإسلامي، ص 184- 189؛ الفقه الإسلامي وأدلّته، ج 1، ص 45 و 46.

[5]. تاريخ الفقه الإسلامي، ص 133.

[6]. الفقه الإسلامي وأدلّته، ج 1، ص 46.