وفي مثل هذه الموارد لابدّ من الرجوع إلى اللّغة والتبادر:
وقد ذكر اللغويون لمادّة الأمر أصلين:
الأوّل: الشيء، كما اشير إليه في بعض الكلمات [1]، فإنّه يقال:
«هذا أمر لا يعبأ به» أي هذا شيء لا يعبأ به.
والثاني: أنّه ضدّ النهي، كما قال به في لسان العرب [2]، وأمّا الطلب
فهو أعمّ من الأمر لشموله الطلب النفساني أيضاً، كقولك «اطلب ضالّتي» مع أنّه لا
يمكن وضع الأمر موضعه فلا يقال: «آمر ضالّتي».
فالأمر مشترك لفظي بين المعنيين من دون أن يكون قدر جامع بينهما حتّى يصير
مشتركاً معنوياً، والدليل على عدم الجامع بينهما قول أرباب اللّغة وقد صرّح غير
واحد منهم من أنّ الأوّل يجمع على فواعل «أوامر» ويكون مصدراً ومبدءً للاشتقاق
والثاني يجمع على فعول «امور» ولا يشتقّ منه شيء [3].
والتبادر أيضاً مساعد لما مرّ عن أهل اللغة، فإنّ المتبادر من قولك «جئت لهذا
الأمر» أو «رأيت اليوم أمراً عجيباً» إنّما هو الشيء ولا يمكن تأويلها إلى الطلب
لوجود التباين بينهما.
ومن هنا يظهر وقوع الخلط بين المفهوم والمصداق بالنسبة إلى سائر المعاني
وأنّها ترجع في الواقع إلى هذين المعنيين كالمعنى الثالث وهو الفعل، فإنّ الأمر في
قوله تعالى: «وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ» ليس بمعنى الفعل، بل إنّه عبارة عن أوامر فرعون وأحكامه
فينطبق على المعنى الأوّل، وهكذا المعنى الرابع، فإنّ الأمر في قوله تعالى: «فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا» أيضاً بمعنى الأمر التكويني للَّهتعالى بالعذاب نظير