و أمّا إن
قلنا أنّهما روايتان جمعا في نقل واحد فتصل النوبة إلى أعمال المرجّحات، و من
المعلوم أنّ الشهرة و توافق الحرمة، و لكن في مقابلها مخالفة العامّة، التي توافق
رواية الجواز و توجب ترجيحها، اللّهمّ إلّا أن يقال: موافقة أبي حنيفة للجواز الذي
اشتهرت فتاواه في إجراء صدور الرواية، يمنع عن الأخذ بهذا المرجّح، و ليس ببعيد.
و الإنصاف
إنّ تعدّد الرواية أقوى في النظر، فانّه من البعيد صدور الرواية من المعصوم بهذه
العبارة المشتملة على التناقض الظاهر الذي لا يفهم المستمع منه شيئا يركن إليه.
و يؤيّده
تكرار قوله: «و قال»، و كذا ذكر اسم الظاهر (العذرة) في الفقرة الثانية بدل
الضمير.
و يتحصّل من
جميع ذلك أنّ القول بالحرمة هنا بالخصوص بملاحظة الأدلّة الخاصّة إن لم يكن أقوى
فلا أقل من إنّه أحوط، و إن كان مقتضى العمومات الجواز.
ثمّ إنّ
العذرة ظاهرة في عذرة الإنسان كما صرّح به أهل اللغة.
قال في لسان
العرب: العذرة و العاذر: الغائط الذي هو السلح، و في حديث ابن عمر، أنّه كره السلت
الذي يزرع بالعذرة، يريد الغائط الذي يلقيه الإنسان، ثمّ قال: العذرة فناء الدار،
و في حديث علي عليه السّلام إنّه عاتب قوما فقال: ما لكم لا تنظّفون عذراتكم، أي
أفنيتكم، و قيل:
العذرة أصلها
فناء الدار، و إنّما سمّيت عذرات الناس بهذا لأنّها كانت تلقى بالأفنية، فكنّى
عنها باسم الفناء، كما كنّى بالغائط، «و هي الأرض المطمئنة» عنها
[1] انتهى محلّ الحاجة منه.
و من هنا
يعلم أنّ حمل بعض الروايات على عذرة غير الإنسان بعيد جدّا.
و ممّا ذكرنا
لا يبقى وجه لما حكي عن المفيد و سلّار من عدم جواز بيع الأرواث و الأبوال كلّها
[2] بل ما يترتّب عليها نفع معتدّ به يجوز بيعه إن كان طاهرا، و إن كان
نجسا أيضا، ما عدا عذرة الإنسان المنصوص عليها بالخصوص.
[1]. لسان العرب، ج 4، ص 544، مادّة «عذر»، ط- ح
ة- بيروت- ج 9، ص 108.
[2]. وسائل الشيعة، ج 17، ص 87، الباب 59، من
أبواب الأطعمة المباحة.