و لعلّه من باب لزوم النهي عن المنكر، و كان الإعراض عن الجماعة إعراضا عن
الإسلام أو الحكومة الإسلامية في الحقيقة، أو مقدّمة له، و أمروا بالنهي عنه.
و الحاصل، أنّه لا إشكال في جواز غيبة المتجاهر، إمّا لعدم دخوله تحت عنوان
الغيبة كما هو الأقوى، أو خروجه عنها حكما على احتمال.
إنّما الكلام في المراد من «المتجاهر»، و هل أنّ جواز غيبته يختصّ بما تجاهر
فيه، أو أعمّ؟
أمّا الأوّل: فالمتجاهر هو الذي يتجاهر بالمعصية مع علمه بها موضوعا و حكما،
بأن يعلم أنّ هذا المائع فقاع، و أنّ الفقاع حرام، و لو اشتبه عليه أحدهما لم يكن
متجاهرا، و بالجملة المدار على الحرمة الفعلية في حقّه لا على الحرمة الواقعية و
ان كان معذورا فيها، فكلّ من يفعل فعلا و يعتذر فيه بعذر يحتمل في حقّه لا بدّ من
حمل فعله على الصحّة، و لا يكون متجاهرا إلّا أن يعلم بكذبه في دعوى العذر.
أمّا الثّاني: فهل جواز غيبته يختصّ بما تجاهر فيه، فلو كان متجاهرا بمعونة
الظلمة لا يجوز غيبته بشرب الخمور و غيرها، و أولى منه ما إذا كان متجاهرا بصغيرة
فهل يجوز غيبته بكبيرة، قد يقال بالأعمّ، و استظهره في الحدائق من بعض أحاديث
الباب.
و لكن استظهر خلافه من كلام جملة من الأصحاب، إلّا أنّه قال: الأحوط الاقتصار
على ما ذكروه [1].
و في الحقيقة دليله إطلاق الروايتين: 4 و 5/ 154 و قد مرّتا عليك، و كذا إطلاق
ما رواه في المستدرك الذي مرّ عليك أيضا، و لكن الإنصاف أنّ مناسبة الحكم و
الموضوع مانعة عن إطلاقها، أو يكون المراد من الفاسق الفاسق في جميع أفعاله أو
أكثره، بل لا يبعد أن يكون هذا هو المراد ممّن «ألقى جلباب الحياء» و على كلّ حال
الأخذ بالعموم مشكل جدّا.
و قد يقال: إذا كان الفسق المستور دونه في القبح يجوز غيبته به، و لكنّه أيضا
محلّ إشكال، فقد يتجاهر الإنسان بالغيبة مع أنّها أشدّ من الزنا، و لا يتجاهر
بالزنا، فهل يجوز غيبته بالثّاني لارتكابه الأوّل؟