أبي طالب رضي اللّه عنه أهلا للفداء و التضحية فعرض عليه الأمر فلم يتردد علي في أن يقدم نفسه فداء لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فينام على فراش لا يدري متى تتخطفه الأيدي منه لترمي به إلى المتعطشين إلى الدماء يلعبون به بسيوفهم لعب الأرجل بالكرة، و نام علي و آثر رسول اللّه بالحياة فضرب بذلك على حداثة سنه أروع مثل في التضحية و الفداء، و هكذا يؤثر المسلم على نفسه و يجود حتى بنفسه، و الجود بالنفس أقصى غاية الجود.
و من شجاعته عليه السّلام ما رواه القوم
فمنهم الفاضل المعاصر محمد بن قاسم ابن الوجيه في «المنهاج السوي» شرح منظومة الهدى النبوي للحسن بن إسحاق (ص 321 ط دار الحكمة اليمانية- صنعاء) قال عند ذكر غزوة بني النضير:
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قد ضرب قبته بمحل قريب من حصنهم، و فيهم رجل بطل فاتك رام يقال له عروك، و كان يرمي حتى يبلغ نبله خيمة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فأمر بقبته فحوّلت، و كان يخرج عروك ليلا يطلب قرة من المسلمين،
فلما كان ذات ليلة فقد المسلمون علي بن أبي طالب، فقالوا: يا رسول اللّه، ما نرى عليا، فقال: دعوه فإنه ذهب في بعض شأنكم،
فما لبثوا أن جاء علي برأس عروك يحمله، و كان عروك قد خرج بعشرة من اليهود يطلب غرة من المسلمين، فقتله علي و فرّ أصحابه، فأمر رسول اللّه أبا دجانة و سهل بن حنيف في عشرة من المسلمين يتبعونهم فأدركوهم و قتلوهم عن آخرهم، و أنزل اللّه الرعب على بني النضير فسألوا رسول اللّه أن يجلبهم و يكف عن أنفسهم و أموالهم- إلى آخر القصة.