مسهدا، أو أجرّ في الأغلال مصفدا، أحب إلي من أن ألقى اللّه و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد أو غاصبا لشيء من الحطام. و إن لي في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لأسوة، إذ قبضت عنه أطراف الدنيا، و فطم عن رضاعها، و زوى عن زخارفها، و كان يلبس و يطعم أخشن مما ألبس و أطعم. و إن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السّلام، فلقد كان يتوسد الحجر، و يلبس الخشن، و يأكل الطعام الغليظ، و كان سراجه بالليل القمر، و لم تكن له زوجة تفتنه، و لا ولد يحزنه، و لا مال يلفته، و لا طمع يذله، دابته رجلاه، و خادمه يداه.
و جاءه بعض الموالي من أهل الكوفة يشكون الولاة و أعوانهم، فقال لهم: و أين علماؤكم؟ لقد أخذ اللّه على العلماء ألا يقروا ظالما و لا يسكتوا عن مظلوم.
ثم سألهم عن أعوان الولاة، فعلم أن الولاة لا يحاسبونهم فقال: يجب على الوالي أن يتعهد أموره، و يتفقد أعوانه، حتى لا يخفى عليه إحسان محسن و لا إساءة مسيء، ثم لا يترك أحدهما بغير جزاء، فإنه إذا ترك أعوانه تهاون المحسن و اجترأ المسيء، و فسد الأمر.
فقال أحد الموالي: سأل الإسكندر حكماء بابل أيها أبلغ عندكم الشجاعة أم العدل؟ فقالوا: إذا استعملنا العدل لم نحتج للشجاعة.
فقال الإمام: يجب على السلطان أن يلزم العدل في ظاهر أفعاله لإقامة أمر سلطانه، و في باطن ضميره لإقامة أمر دينه، فإذا فسدت السياسة ذهب السلطان، و مدار السياسة كلها على العدل و الإنصاف، فلا يقوم سلطان لأهل الإيمان و الكفر إلا بهما. و الإمام العادل كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه، و تفسد بفساده.
فقال رجل آخر من الموالي: قال سقراط: ينبوع فرح العالم الملك العادل، و ينبوع حزنهم الملك الجائر. فقال الإمام ضاحكا: حسبكم دلالة على فضيلة العدل أن الجور الذي هو ضده لا يقوم إلا به، و ذلك أن اللصوص إذا أخذوا الأموال و اقتسموها بينهم، احتاجوا إلى استعمال العدل في اقتسامهم، و إلا أضر ذلك بهم.
فقال رجل ثالث من الموالي: جاء في كتب الهند: رأس الحزم للملك معرفته