و كفن في ثوبين و اجتمعت له مشيعة إخوانه و العشائر فلو رأيت الأصغر من أولاده، و قد غلب الحزن على فؤاده، و غشي من الجزع عليه، و خضّبت الدموع خدّيه، و هو يندب أباه و يقول: يا ويلاه.
لعاينت من قبح المنية منظرا يهال لمرآه و يرتاع ناظر أكابر أولاد يهيج اكتئابهم إذا ما تناساه البنون الأصاغر و رنّة نسوان عليه جوازع مدامعهم فوق الخدود غوازر ثم أخرج من سعة قصره إلى ضيق قبره، فلما استقر في اللحد و هي عليه اللبن، و قد حثوا بأيديهم التراب، و أكثروا التلدد عليه و الانتحاب، و وقفوا ساعة عليه، و آيسوا من النظر إليه.
فولوا عليه معولين و كلهم لمثل الذي لاقى أخوه محاذر كشاء رتاع آمنات بدا لها بمذننة بادي الذراعين حاسر فريعت و لم ترتع قليلا و أجفلت فلما نأى عنها الذي هو جازر عادت إلى مرعاها، و نسيت ما في أختها دهاها، أ فبأفعال البهائم اقتدينا؟ أم على عادتها جرينا؟ عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلى و الثرى، المدفوع إلى هول ما ترى.
ثوى مفردا في لحده و توزعت مواريثه أرحامه و الأواصر و أخنوا على أمواله يقسمونها بلا حامد منهم عليها و شاكر فيا عامر الدنيا و يا ساعيا لها و يا آمنا من أن تدور الدوائر كيف أمنت هذه الحالة، و أنت صائر إليها لا محالة؟ أم كيف تهنأ بحياتك، و هي مطيتك إلى مماتك؟ أم كيف تسيغ طعامك، و أنت منتظر حمامك؟
و لم تتزود للرحيل و قد دنا و أنت على حال وشيكا مسافر فيا لهف نفسي كم أسوف توبتي و عمري فان و الردى لي ناظر و كل الذي أسلفت في الصحف مثبت يجازي عليه عادل الحكم قادر فكم ترقع بآخرتك دنياك؟ و تركب في ذلك هواك؟ أراك ضعيف اليقين يا مؤثر الدنيا