من مرجّح غير المرجّح الأوّل [1]، و إلا لزم ترجيح أحد المتساويين بغير مرجّح، فينتهي إلى الوجوب و إلا تسلسل، و إذا امتنع وقوع الأثر إلا مع الوجوب، و الواجب غير مقدور و نقيضه ممتنع غير مقدور أيضا فيلزم الجبر و الإيجاب فلا يكون العبد مختارا،
الوجه الثاني
أنّ كلّ ما يقع فانّ اللّه تعالى قد علم وقوعه قبل وقوعه، و كلّ ما لم يقع فانّ اللّه تعالى قد علم في الأزل عدم وقوعه، و ما علم اللّه تعالى وقوعه فهو واجب الوقوع، و لو لم يقع لزم انقلاب علم اللّه تعالى جهلا و هو محال، و ما علم عدمه فهو ممتنع، إذ لو وقع انقلب علم اللّه جهلا و هو محال أيضا، و الواجب و الممتنع غير مقدورين للعبد، فيلزم الجبر «انتهى».
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: اول ما ذكره من الدّليلين للأشاعرة قد استدلّ به أهل المذهب و هو دليل صحيح بجميع مقدّماته كما ستراه واضحا إن شاء اللّه تعالى، و أما الثاني ممّا ذكره من الدّليلين فقد ذكره الإمام الرازي [2] على سبيل النقض و ليس هو من دلائل أئمة
[1] و هو الذي رجح اصل الفعل على الترك، و فيه أن المفروض كفاية المرجح الاول لترجيح الوجود في جميع الأوقات على العدم فيه، و لم يلزم من البيان الاحتياج الى مرجح آخر لهذا الترجيح، بل انما يحتاج اليه لترجيح الوجود في بعض اوقات المرجح الاول على الوجود في بعض آخر منها، و أين هذا من ذاك؟. فتأمل. منه «قده» و لو فرض لزومه نقول: يجوز أن يكون ذلك المرجح أمرا اعتباريا صادرا من العبد و لا يلزم عليه التسلسل المحال.
[2] قال فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: الاول أن قدرة العبد اما ان تكون معينة لاحد الطرفين او صالحة للطرفين معا، فان كان الاول فالجبر لازم و ان كان الثاني فرجحان أحد الطرفين على الآخر اما ان يتوقف على المرجح أولا يتوقف، فان كان الاول ففاعل ذلك المرجح ان كان هو العبد عاد التقسيم الاول فيه و ان كان هو اللّه تعالى فعنه ما يفعل